للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

فَلَوْ زَوَّجَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ ثُمَّ باعها أو أحدهما أو وهبهما أَوْ أَحَدَهُمَا كَانَ النِّكَاحُ بِحَالِهِ وَلَوْ وَهَبَ الْعَبْدَ لِزَوْجَتِهِ وَأَقْبَضَهَا إِيَّاهُ فَعَلَى قَوْلِهِ فِي القديم يملكه بِالْهِبَةِ وَيَبْطُلُ النِّكَاحُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا يَصِحُّ أن تملك زوجها فتكون بعد الملك زوجاً لها وهكذا لو وهبت الْأَمَةُ لِزَوْجِهَا مِلْكَهَا وَبَطَلَ نِكَاحُهَا وَعَلَى قَوْلِهِ في الجديد لا يصح الهبة ويكون النكاح بحاله.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: " ولا يَحِلُّ أَنْ يَتَسَرَّى الْعَبْدُ وَلَا مَنْ لَمْ تَكْمُلْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ بحالٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا التَّسَرِّي فَهُوَ الِاسْتِمْتَاعُ بِالْأَمَةِ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى إِذَا كانت من ذوات المتع سُرِّيَّةً وَفِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ، لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ من الاستمتاع.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّرُورِ، لِأَنَّهَا تُسِرُّ الْمُسْتَمْتِعَ بِهَا.

فَأَمَّا تَسَرِّي الْعَبْدِ فَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْمُدَبَّرِ وَالْمُخَارِجِ وَالْمُعَتَقِ عَلَى صِفَةٍ لَمْ تُوجَدْ وَالْمُكَاتَبِ، فَأَمَّا مَنْ تَبَعَّضَتْ فِيهِ الْحُرِّيَّةُ وَالرِّقُّ فَكَانَ نِصْفُهُ حُرًّا ونصفه مملوكاً فهو يملك بعضه الْحُرَّ مِنْ إِكْسَابِهِ مِثْلَ مَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ بِنِصْفِهِ الْمَمْلُوكِ فَإِنْ هَايَأَهُ السَّيِّدُ عَلَى يَوْمٍ وَيَوْمٍ كَانَ مَا كَسَبَهُ فِي يَوْمِهِ مِلْكًا لَهُ وَمَا كَسَبَهُ فِي يَوْمِ سَيِّدِهِ مِلْكًا لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يُهَايِئْهُ كَانَ نِصْفُ مَا كَسَبَهُ الْعَبْدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَلِكًا لِنَفْسِهِ ونصفه ملكاً للسيد فإذا اشترى بما ملكه مِنْ كَسْبِهِ أَمَةً مَلَكَهَا مِلْكًا مُسْتَقِرًّا؛ لِأَنَّهُ ملك بحريته بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ وَطْئُهَا بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ، وَإِنْ مَلَكَهَا لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ عَلَيْهِ أَغْلَبُ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهِ فكذلك في تسريه.

والثاني: أَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَتَمَيَّزُ فِي أَعْضَائِهِ مِنَ الرِّقِّ فَكُلُّ عُضْوٍ مِنْهُ مُشْتَرَكُ الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَطَأَ بِعُضْوٍ بَعْضُهُ مَرْقُوقٌ لِلسَّيِّدِ إِلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا لَوْ كَانَ جَمِيعُهُ موقوفاً، فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالشَّرْطُ فِي إِبَاحَةِ تَسَرِّيهِ إِذْنُ السَّيِّدِ دُونَ تَمْلِيكِهِ وَإِنِ افْتَقَرَ فِي العبد إلى تمليكه وإذنه، لأن هذا مالك فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى تَمْلِيكِهِ، وَالْعَبْدُ غَيْرُ مَالِكٍ فافتقر إلى تمليكه فإذا أَذِنَ لَهُ جَازَ تَسَرِّيهِ، فَإِنْ أَوْلَدَهَا صَارَتْ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ وَحَرُمَ بَيْعُهَا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا مُلِّكَتْ بَحْرِيَّتِهِ فَجَرَى عَلَيْهَا حُكْمُ أُمَّهَاتِ الأولاد، وَكَانَ أَوْلَادُهُ مِنْهَا أَحْرَارًا لِاخْتِصَاصِهِمْ بِحُرِّيَّتِهِ دُونَ رقه.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُفْسَخُ نِكَاحُ حاملٍ مِنْ زِنًا وَأُحِبُّ أن تمسك حتى تضع وقال رجل للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لامسٍ قَالَ " طلقها " قال إني أحبها قال " فأمسكها " وضرب عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً وامرأةً في زناً وحرص أن يجمع بينهما فأبى الغلام ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّنَا نَكْرَهُ لِلْعَفِيفِ أَنْ يتزوج بالزانية وَنَكْرَهُ لِلْعَفِيفَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ

<<  <  ج: ص:  >  >>