للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ مَخْصُوصَةً فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في امرأة يقال لها أم مهزول مِنْ بَغَايَا الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّايَاتِ، وَشَرَطَتْ له أن تنفق عليه فأنزل الله هذه الآية فيه وهذا قول عبد الله بن عمرو وَمُجَاهِدٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ وَالزَّانِيَةَ لَا يزني بها إلا زان، وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْوِلَايَةَ عَامَّةٌ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى الْعَفِيفِ، وَنِكَاحِ الْعَفِيفَةِ عَلَى الزَّانِي ثُمَّ نَسَخَهُ قَوْله تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاء} وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ.

فَصْلٌ

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي زَوْجَةِ الرَّجُلِ إِذَا زنت هل ينفسخ نِكَاحُهَا أَمْ لَا؟ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، أن النكاح صحيح لا ينفسخ بزناها وَهُوَ قَوْلُ الصَّحَابَةِ إِلَّا حِكَايَةً عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّ نِكَاحَهَا قَدْ بَطَلَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ لتحريم اجتماع المائين في فرج.

وَدَلِيلُنَا مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا رَوَاهُ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ قَالَ: طَلِّقْهَا قَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، قَالَ اسْتَمْتِعَ بِهَا، فَكَنَّى بِقَوْلِهِ: " لَا تَرُدُّ يَدَ لَامَسٍ " عَنِ الزِّنَا فَأَمَرَهُ بِطَلَاقِهَا وَلَوِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا بِالزِّنَا لَمَا احْتَاجَ إِلَى طَلَاقٍ ثُمَّ لَمَّا أخبره أنه يُحِبُّهَا أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَلَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ لَنَهَاهُ عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا وَلَأَعْلَمَهُ تَحْرِيمَهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " لَا تَرُدُّ يَدَ لَامِسٍ " أَنَّهَا لَا تَرُدُّ مُتَصَدِّقًا طَلَبَ مِنْهَا مَالَهُ.

قِيلَ: هَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ هَذَا لَقَالَ لَا تَرُدُّ يَدَ مُلْتَمِسٍ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَكُونُ مُلْتَمِسًا وَاللَّامِسَ يَكُونُ مُبَاشِرًا فَلَمَّا عَدَلَ إِلَى يَدِ لَامِسٍ خَرَجَ عَنْ هَذَا التَّأْوِيلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ لَمَا خَرَجَ قَوْلُهُ فيها مخرج الذم ولما أمر بِطَلَاقِهَا وَلَأَمَرَهُ بِإِحْرَازِ مَالِهِ مِنْهَا.

وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أسوداً فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَعَلَّ عِرْقًا نَزعَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ كِنَايَةً عن زناها بأسود فلم يحرمها عليه، وَلِأَنَّ الْعَجْلَانِيَّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَلَاعَنَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَجْعَلْهَا بِالزِّنَا حَرَامًا.

وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تَزْنُوا فَتَزْنِي نِسَاؤُكُمْ فَإِنَّ بَنِي فُلَانٍ زَنَوْا فَزَنَتْ نِسَاؤُهُمْ "

<<  <  ج: ص:  >  >>