للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِعُمُومِ الْآيَتَيْنِ فَقَدْ خَصَّهُ قَوْله تَعَالَى: {وَأنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} (النساء: ٢٣) وَأَمَّا قوله بأن تحريم العدد لما حرم بالنكاح كَذَلِكَ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ.

فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْعَدَدِ إِنَّمَا ثَبَتَ فِي الزَّوْجَاتِ خَوْفًا مِنَ الجور فيما يجب لهم مِنَ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَالْقَسْمِ وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الإماء، لأن نفقاتهن وكسوتهن في أكسابهن ولا قسم لهن فأمن الجور فَافْتَرَقَا فِي تَحْرِيمِ الْعَدَدِ وَهُمَا فِي الْمَعْنَى الذي أوجبت تحريم الجمع سواء؛ لأن خوف التقاطع والتباغض والتحاسر، وهذا مَوْجُودٌ فِي الْإِمَاءِ كَوُجُودِهِ فِي الزَّوْجَاتِ فَاسْتَوَيَا فِي تَحْرِيمِ الْجَمْعِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي مَعْنَاهُ وَإِنِ افْتَرَقَا فِي تَحْرِيمِ الْعَدَدِ لِافْتِرَاقِهِمَا فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُ دَاوُدَ: إِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي الوطئ غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَعَنْهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِأَنْ يُضَاجِعَهُمَا مَعًا وَيَلْمِسَهُمَا وَهَذَا مُحَرَّمٌ فِي الْأُخْتَيْنِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ يَنْطَلِقُ اسْمُ الْجَمْعِ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ، كَذَلِكَ بين الوطئين فَيَكُونُ الْجَمْعُ جَمْعَيْنِ جَمْعَ مُتَابِعَةٍ وَجَمْعَ مُقَارَنَةٍ.

والثالث: أن الصحابة قد جعلته مِنْ مَعْنَى الْجَمْعِ مَا نَهَتْ عَنْهُ وَلَمْ تجعله مُسْتَحِيلًا.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَتَحْرِيمِهِ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَمَلَكَ أُخْتَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِأَيّهِمَا شَاءَ فَإِذَا اسْتَمْتَعَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى مَا كَانَ عَلَى اسْتِمْتَاعِهِ بِالْأُولَى حَتَّى يُحَرِّمَهَا عَلَيْهِ بِأَحَدِ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: إِمَّا أَنْ يَبِيعَهَا، وَإِمَّا أَنْ يَهَبَهَا، وَإِمَّا أَنْ يُعْتِقَهَا، وَإِمَّا أَنْ يُزَوِّجَهَا، وَإِمَّا أَنْ يُكَاتِبَهَا فَتَصِيرُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ الْأَشْيَاءِ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ فَيَحِلُّ لَهُ حينئذ أن يستمتع بها بِالثَّانِيَةِ وَتَصِيرُ الْأُولَى إِنْ عَادَتْ إِلَى إِبَاحَتِهِ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا حَتَّى تَحْرُمَ الثانية بأحد ما ذكرنا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ.

وَحُكِيَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ إذا عزم على أن يَطَأَ الَّتِي وَطِئَ حَلَّتْ لَهُ الْأُخْرَى، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ يَقَعُ بِأَسْبَابِهِ لَا بِالْعَزْمِ عليه وقد يحرم عليه بسببين آخَرَيْنِ لَيْسَا مِنْ فِعْلِهِ وَهُمَا: الرَّضَاعُ وَالرِّدَّةُ، فأما التدبير: فلا يحرم ثم إذا أخرج الثَّانِيَةَ بِأَحَدِ مَا ذَكَرْنَا عَادَتِ الْأُولَى إِلَى إِبَاحَتِهَا وَحَلَّ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَلَوْ أَنَّهُ حِينَ اسْتَمْتَعَ بِالْأُولَى اسْتَمْتَعَ بِالثَّانِيَةِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْأُولَى عَلَيْهِ كَانَ بِوَطْءِ الثَّانِيَةِ عَاصِيًا وَلَمْ تحرم الأولى عليه بمعصية لوطء الثانية قال الشافعي: وأحب أن يمسك عن وطأ الأولى حتى يستبرأ الثانية؛ لأن لا يُجْمَعَ مَاؤُهُ فِي أُخْتَيْنِ فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ استبراء الثانية جاز وإن أساء.

[مسألة]

قال الشافعي: " وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا ونهى عمر رضي الله عنه عن الأم وابنتها من ملك اليمين، وقال ابن عمر وددت أن عمر كان في ذلك أشد مما هو ونهت عن ذلك عائشة وقال عثمان في جمع الأختين: أما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك فقال رجلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَوْ كَانَ إِلَيَّ مِنَ الْأَمْرِ شيءٌ ثُمَّ وجدت رجلاً يفعل ذلك لجعلته نكالاً قَالَ الزُّهْرِيُّ أُرَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالبٍ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>