للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدورهم وهم أَهْلُ كِتَابٍ وَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما منهم الجزية ".

فَنَكَحَ الْمِلْكُ أُخْتَهُ، وَأَمْسَكُوا عَنِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ، إِمَّا مُتَابَعَةً لِرَأْيِهِ، وَإِمَّا خَوْفًا مِنْ سَطْوَتِهِ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أُسْرِيَ بِكِتَابِهِمْ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَجُوزُ إِقْرَارُهُمْ بِالْجِزْيَةِ؛ وَهَلْ يَجُوزُ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِإِجْرَاءِ حُكْمِ الْكِتَابِ عَلَيْهِمْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ طَرِيقُ كِتَابِهِمُ الِاجْتِهَادَ دُونَ النَّصِّ فَقَصَرَ حُكْمُهُ عَنْ حُكْمِ النَّصِّ.

وَقَالَ آخرون من أصحابنا: ليس ما اختلف نص الشافعي عليه اختلاف قوليه فيه إِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ، فَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ إِنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ يَعْنِي فِي قَبُولِ الْجِزْيَةِ وَحْدَهَا حَقْنًا لِدِمَائِهِمْ أَنْ لَا تُسْتَبَاحَ بِالشَّكِّ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي قَالَ: إِنَّهُمْ غَيْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ يَعْنِي فِي أَنْ لَا تُؤْكَلَ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا تُنْكَحَ نِسَاؤُهُمْ، وَهَذَا قَوْلُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَالْفُقَهَاءِ، وَخَالَفَ أَبُو ثَوْرٍ فَجَوَّزَ أَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ، وَنِكَاحَ نِسَائِهِمْ وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ: تَحْرِيمَ ذَلِكَ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا؛ وَقَالَ: مَا كُنَّا نَعْرِفُ خِلَافًا فِيهِ حَتَّى جَاءَنَا خلافاً من الكرخ يَعْنِي خِلَافَ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ كَرْخَ بَغْدَادَ وَاسْتَدَلَّ أَبُو ثَوْرٍ عَلَى أَكْلِ ذبائحهم، وجواز مناكحتهم بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ " قَالَ: وَقَدْ تَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ مَجُوسِيَّةً بِالْعِرَاقِ فاستنزله عنها عمر فطلقها، فلو لم يجز لأنكر عَلَيْهِ وَلفَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ طَلَاقٍ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ صنفٍ جَازَ قَبُولُ جِزْيَتِهِمْ جَازَ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَالُوا: وَلِأَنَّ كِتَابَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى نُسِخَ وَكِتَابَ الْمَجُوسِ رُفِعَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُكْمِ الْمَنْسُوخِ وَالْمَرْفُوعِ؛ فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ نَسْخُ كِتَابَيِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحِ نِسَائِهِمْ لَمْ يَمْنَعْ رَفْعُ كِتَابِ الْمَجُوسِ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيَّ. رَوَاهُ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا لا يعرف لهم مخالفاً فصار إجماعاً؛ لأن مَنْ لَمْ يَتَمَسَّكْ بِكِتَابٍ لَمْ تَحِلَّ ذَبَائِحُهُمْ ونسائهم كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَلَيْسَ لِلْمَجُوسِ كِتَابٌ يَتَمَسَّكُونَ بِهِ كَمَا يَتَمَسَّكُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَوَجَبَ أن يكون حكمهم مُخَالِفًا لِحُكْمِهِمْ وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْمُشْرِكَاتِ مَحْظُورٌ بِعُمُومِ النص فلم يجز أن يستباح باحتمال؛ وَلِأَنَّ عُمْرَ مَعَ الصَّحَابَةِ تَوَافَقُوا فِي قَبُولِ جِزْيَتِهِمْ لِلشَّكِّ فِيهِمْ فَكَيْفَ يَجُوزُ مَعَ هَذَا الشك أن يستبيح أكل ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحَ نِسَائِهِمْ.

وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عبد العزيز إلى الحسن البصري يسأله كَيْفَ أَخَذَ النَّاسُ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ وَأَقَرُّوهُمْ عَلَى عِبَادَةِ النِّيرَانِ، وَهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ، إِنَّمَا أَخَذُوا مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ، لِأَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الْبَحْرَيْنِ أَخَذَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>