للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْآخَرُ: لِلزَّوْجِ يَصِحُّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَكَانَ لَهُ إِجْبَارُهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ اللَّهِ تعالى فلذلك أجزى بِغَيْرِ نِيَّةٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجْبِرُ زَوْجَتَهُ الْمَجْنُونَةَ عَلَى الْغُسْلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ لم يكن عليها في ق اللَّهِ تَعَالَى غسلٌ، وَغَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ تَغْتَسِلُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ للزوج عليها حق، وكذلك نجبر الذِّمِّيَّةَ عَلَى الْغُسْلِ مِنَ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ من الوطء كالحائض، فَأَمَّا إِجْبَارُ الذِّمِّيَّةِ عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يُجْبِرُهَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَبِيحُ وَطْءَ الْجُنُبِ، وَلَا يستبيح وطء الحائض فافترقا في الإجبار.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُجْبِرُهَا عَلَيْهِ، وَإِنْ جَازَ وطئها مَعَ بَقَائِهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْمُسْلِمِ قَدْ تَعَافُ وَطْءَ مَنْ لَا تَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ، فَكَانَ لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَيْهِ لِيَسْتَكْمِلَ بِهِ الِاسْتِمْتَاعَ، وَإِنْ كَانَ الِاسْتِمْتَاعُ مُمْكِنًا فَأَمَّا الْوُضُوءُ مِنَ الْحَدَثِ فَلَيْسَ لَهُ إِجْبَارُهَا عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا لِكَثْرَتِهِ وَأَنَّ النُّفُوسَ لَا تَعَافُهُ، وَإِنَّهُ لَيْسَ يَصِلُ إِلَى وَطْئِهَا إِلَّا بَعْدَ الْحَدَثِ فَلَمْ يَكُنْ لإجبارها عليه تأثير.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " والتنظف بِالِاسْتِحْدَادِ وَأَخْذِ الْأَظْفَارِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصَلُ مَا يُؤَثِّرُ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِالزَّوْجَةِ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا منع من أصل الاستمتاع.

والقول الثاني: مَا مَنَعَ مِنْ كَمَالِ الِاسْتِمْتَاعِ فَأَمَّا الْمَانِعُ مِنْ أَصْلِ الِاسْتِمْتَاعِ فَهُوَ مَا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ الِاسْتِمْتَاعُ كَالْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ فَلِلزَّوْجِ إِجْبَارُ زَوْجَتَهُ الذِّمِّيَّةَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَانِعُ مِنْ كَمَالِ الِاسْتِمْتَاعِ فَهُوَ مَا تَعَافُهُ النُّفُوسُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ كَالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَفِي إِجْبَارِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ، وَإِذَا اسْتَقَرَّ هَذَا الْأَصْلُ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَالتَّنْظِيفِ بِالِاسْتِحْدَادِ "؛ وَهُوَ أَخْذُ شعر العانة مؤخوذ من الحدية الَّتِي يُحْلَقُ بِهَا، فَإِنْ كَانَ شَعْرُ الْعَانَةِ قَدْ طَالَ وَفَحُشَ، وَخَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ حَتَّى لَمْ يُمْكِنْ مَعَهُ الِاسْتِمْتَاعُ أَجْبَرَ زَوْجَتَهُ عَلَى أَخْذِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ ذِمِّيَّةً، وَإِنْ لَمْ يَفْحُشْ وَأَمْكَنَ مَعَهُ الِاسْتِمْتَاعُ، وَلَكِنْ تَعَافُهُ النَّفْسُ، فَفِي إِجْبَارِهَا عَلَى أَخْذِهِ قَوْلَانِ، وَإِنْ لم تعافه النَّفْسُ لَمْ يُجْبِرْهَا عَلَى أَخْذِهِ قَوْلًا وَاحِدًا.

قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْتَحِدَّ الْأَعْزَبُ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَالْمُتَأَهِّلُ كُلَّ عِشْرِينَ يَوْمًا، فَإِنْ قَالَهُ نَقْلًا مَأْثُورًا عَمِلَ بِهِ، وَإِنْ قَالَهُ اجْتِهَادًا، فَلَيْسَ لِهَذَا التَّقْدِيرِ فِي الاجتهاد أصل مع اختلاف الحلق فِي سُرْعَةِ نَبَاتِ الشَّعْرِ فِي قَوْمٍ وَإِبْطَائِهِ فِي آخَرِينَ وَاعْتِبَارِهِ بِالْعُرْفِ أَوْلَى، وَأَمَّا الْأَظْفَارُ إِذَا لَمْ تَطُلْ إِلَى حَدِّ تَعَافُهَا النُّفُوسُ لَمْ يُجْبِرْهَا عَلَى أَخْذِهَا، وَإِنْ عَافَتِ النُّفُوسُ طُولَهَا فَفِي إِجْبَارِهَا عَلَى أَخْذِهَا قَوْلَانِ، وَهَكَذَا غَسْلُ رَأْسِهَا إِذَا سَهِكَ، أَوْ قَمِلَ، وَغَسْلُ جسدها إذا راح وأنتن، ففي إِجْبَارِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَعَافُهُ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَيَمْنَعُهَا مِنَ الْكَنِيسَةِ وَالْخُرُوجِ إِلَى الْأَعْيَادِ كَمَا يَمْنَعُ الْمُسْلِمَةَ مِنْ إِتْيَانِ الْمَسَاجِدِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>