للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: أَنْ يَصِيرَ وَلَدُهَا الْمُسْلِمُ مَرْقُوقًا لكافر والشرع يمنع من استرقاق كافر لمسلم.

وَالثَّانِي: أَنْ يسْبي الْمُسْلِم؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا الْمُسْلِمَ ملك لكافر، وأموال الكفار يَجِبُ أَنْ تُسْبَى وَالشَّرْعُ يَمْنَعُ مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِ، وَإِذَا كَانَ الشَّرْعُ مَانِعًا مِمَّا يُفْضِي إِلَيْهِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ.

فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بقوله تعالى: {فَمَا مَلَكَتْ أيْمَانكُمُ} فَالْمُرَادُ بِهِ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَا بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ اسْتِبَاحَةُ المسلمة وَالْكِتَابِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهَا مِلْكُ مُسْلِمٍ فلم يفضي إِلَى سَبْيِ وَلَدِهَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ فَلَمْ يَجُزِ الْجَمْعُ بَيْنَ نِكَاحِهَا وَنِكَاحِ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ النَّقْصَيْنِ لَا يَمْنَعُ فَكَذَلِكَ اجْتِمَاعُهُمَا، قلنا: لكل واحدة منهما تأثير في المنع، فصار اجتماعهما مؤثر فِي التَّحْرِيمِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا اسْتَقَرَّ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي نِكَاحِ الْحُرِّ لِلْأَمَةِ فنَكَحَهَا وَأَوْلَدَهَا لَمْ يَخْلُ حَالُ الزَّوْجِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَرَبِيًّا أَوْ عَجَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ عجمياً كان ولده منها مرقوقاً لِسَيِّدِهَا وَإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يكون مرقوقاً لسيدها.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَكُونُ حُرًّا وَعَلَى الْأَبِ قِيمَتُهُ لقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ صَغَارٌ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ " وَالِاسْتِرْقَاقُ مِنْ أَعْظَمِ الصَّغَارِ، فَوَجَبَ أَنْ ينتفي عَنِ الْعَرَبِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ مفضٍ إِلَى اسْتِرْقَاقِ مَنْ نَاسَبَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي أَقْرَبِ آبَائِهِ مَعَ وَصِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَوِي الْقُرْبَى، فَلَوْ نَكَحَ الْحُرُّ مُكَاتِبَةً كَانَ في وجه إِنْ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا.

وَالثَّانِي: تَبَعٌ لَهَا، وإِنْ كَانَ عَرَبِيًّا، ففيه ثلاثة أقاويل:

أحدها: حر يُعْتَقُ عَلَى أَبِيهِ بِقِيمَتِهِ.

وَالثَّانِي: تَبَعٌ لِأُمِّهِ، يُعْتَقُ بِعِتْقِهَا، وَيَرِقُّ بِرِقِّهَا.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ مِلْكٌ لسيدها والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي: " وَالَعَبْدُ كَالْحُرِّ فِي أَنْ لَا يَحَلَّ لَهُ نِكَاحُ أمةٍ كتابيةٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ وَجَوَّزَهُ أبو حنيفة، كَمَا جَوَّزَهُ لِلْحُرِّ، وَفَرَّقَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ بَيْنَ الْحُرِّ والعبد، فجوز للعبد أن ينكح الأمة الكتابيةن وَلَمْ يُجَوِّزْهُ لِلْحُرِّ، لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ سَاوَاهَا فِي نَقْصِ الرِّقِّ وَاخْتُصَّتْ مَعَهُ بِنَقْصِ الْكُفْرِ فَلَمْ يَمْنَعْهُ أَحَدُ النَّقْصَيْنِ كَمَا لَمْ يَمْنَعِ الْمُسْلِمَ الْحُرَّ أَنْ يَنْكِحَ الْكِتَابِيَّةَ الْحُرَّةَ لِاخْتِصَاصِهَا مَعَهُ بِأَحَدِ النَّقْصَيْنِ، وَخَالَفَ نِكَاحَ الْحُرِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>