للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ إِنَّ عَلَى السُّلْطَانِ أَنْ لَا يؤجلها أكثر من مقامها، فكم يَمُرُّ بِهَا مِنْ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا مِنْ حِينِ أُعْتِقَتْ إِلَى أَنْ جَاءَتْ إِلَى السُّلْطَانِ، وَقَدْ يَبْعُدُ ذَلِكَ وَيَقْرُبُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى اخْتِيَارِ الْفَسْخِ إِلَّا بِكَلَامٍ يَجْمَعُ حُرُوفًا كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ وَقْتِ الآخر، وفي هذا إبطال الخيار، وهذا اعتراض مِنَ الْوَجْهَيْنِ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ للكلام عرفاً إذا تقدر اسْتِعْمَالُ حَقِيقَتِهِ، كَانَ مَحْمُولًا عَلَيْهِ وَصَارَ مَخْرَجُهُ مَخْرَجَ الْمُبَالَغَةِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في أبي جهم: " لا يضع عصاه على عَاتِقِهِ " وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَا أَحَدٌ يُمْكِنُهُ إِلَّا أَنْ يَضَعَ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ فِي أَوْقَاتِ نومه واستراحته لكنه قال ذلك على طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ؛ لِأَنَّهُ الْأَغْلَبُ مِنْ أَحْوَالِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ أَقَلَّ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا بِقَدْرِ زمان المكنة، وَشُرُوطِ الطَّلَبِ، وَيَكُونُ مُرَادُهُ بِأَقَلِّهَا هُوَ الْوَقْتُ الَّذِي يُمْكِنُهَا فِيهِ الِاخْتِيَارُ فَيُمْسِكُ فِيهِ عَنِ الِاخْتِيَارِ.

فَأَمَّا مُرَادُ الْمُزَنِيِّ بِكَلَامِهِ هَذَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إِثْبَاتَ الْخِيَارِ عَلَى التَّرَاخِي، فَعَلَى هذا يكون منه اختيار الآخر من قول الشافعي.

والوجه الثاني: أنه أراد به اخْتِيَارَ الْفَسْخِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى حُكْمٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ مَذْهَبًا اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ يكون فيما ثبت باجتهاد، وهذا ثابت النص.

والثاني: أنه خيار نقص فجرى خيار الرد بالعيب.

[مسألة]

قال الشَّافِعِيِّ: " وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عِتْقُهُ وَهُنَّ مَعًا (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ هَذَا عِنْدِي بشيء قد قطع في كتابين بأن لها الخيار لو أصابها فادعت الجهالة وقال في موضع آخر: إن على السلطان أن يؤجلها أكثر مقامها فكم يَمُرُّ بِهَا مِنْ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا مِنْ حِينِ أُعْتِقَتْ إِلَى أَنْ جَاءَتْ إِلَى السُّلْطَانِ وَقَدْ يبعد ذلك ويقرب إلى أن يفهم عنها ما تقول ثم إلى انقضاء أجل مقامها ذلك على قدر ما يرى فكيف يبطل خيار إماءٍ يعتقن إِذَا أَتَى عَلَيْهِنَّ أَقَلُّ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا وَإِسْلَامُهُنَّ وإسلام الزوج مجتمعٌ (قال المزني) ولو كان كذلك لما قدرن إذا أعتقن تحت عبدٍ أن يخترن بحالًٍ لأنهن لا يقدرن يخترن إلا بحروفٍ وكل حرفٍ مِنْهَا فِي وقتٍ غَيْرِ وَقْتِ الْآخَرِ وفي ذلك إبطال الخيار ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي عَبْدٍ تَزَوَّجَ فِي الشِّرْكِ بِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ إِمَاءٍ وَأَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ ثُمَّ أُعْتِقْنَ وَالزَّوْجُ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>