للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَصْلُهَا: إِذَا كَانَ أَبَوَاهَا وَثَنِيَّيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ فِي هَذَا الْوَلَدِ مُوجِبُ حَظْرٍ وَإِبَاحَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يُغَلَّبَ حُكْمُ الْحَظْرِ عَلَى حُكْمِ الْإِبَاحَةِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَوَلِّدِ مِنْ بَيْنِ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ، وَلَا يَنْتَقِضُ بِالْوَلَدِ إِذَا كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمًا وَالْآخَرُ كَافِرًا لِأَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ فِي الْوَلَدِ حُكْمُ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى ". فَثَبَتَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَسَقَطَ حُكْمُ الشِّرْكِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ: " لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يَشْرِكُهُ الشِّرْكُ وَالشِّرْكَ يَشْرِكُهُ الشِّرْكُ " يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ يَجْتَمِعُ شِرْكَانِ، وَلَا يَجْتَمِعُ شِرْكٌ وَإِسْلَامٌ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا التَّعْلِيلِ، هَلْ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أبا حنيفة من هذه المسألة، وأراد بِهِ مَالِكًا فِي أَنَّ إِسْلَامَ الْأُمِّ لَا يَكُونُ إِسْلَامًا لِلْوَلَدِ عَلَى وَجْهَيْنِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْخَبَرِ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اجْتِمَاعُ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الْكُفْرِ يَقْتَضِي تَكْفِيرَ الْوَلَدِ، وَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا لَا يَقْتَضِيهِ فَلَمْ يَكُنْ دَلِيلًا فِي هَذَا الْوَضْعِ، لِأَنَّ أَبَوَيْهِ قَدِ اجْتَمَعَا عَلَى الْكُفْرِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ اجتماع الشرك والإسلام يوجب فيه حكم تغليب الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُمَا يَتَنَافَيَانِ فَغُلِّبَ أَقْوَاهُمَا، وَالشِّرْكَانِ لَا يَتَنَافَيَانِ فَغُلِّبَ أَغْلَظُهُمَا.

فَصْلٌ: وَالضَّرْبُ الثَّانِي

: أَنْ يَكُونَ أَبُ هَذَا الْوَلَدِ كِتَابِيًّا يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَأُمُّهُ وَثَنِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً فَفِي إِبَاحَةِ نِكَاحِهِ، وَأَكْلِ ذَبِيحَتِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْرُمُ نِكَاحُهُ وَذَبِيحَتُهُ لِاجْتِمَاعِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يُغَلَّبَ حُكْمُ الْحَظْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ كَالْمُتَوَلِّدِ مِنْ بَيْنِ مَأْكُولٍ وَغَيْرِ مَأْكُولٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - وَهُوَ أَصَحُّ. أَنَّهُ يَحِلُّ نِكَاحُهُ وَذَبِيحَتُهُ لِاجْتِمَاعِ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ فِيهِ، لِأَنَّ الدِّينَيْنِ إِذَا اخْتَلَفَا جَازَ اجْتِمَاعُهُمَا فَأَغْلَبُهُمَا مَا كَانَ تَابِعًا لِلنَّسَبِ الْمُضَافَ إِلَى الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ كَالْحُرِّيَّةِ كَذَلِكَ النِّكَاحُ وَالذَّبِيحَةُ.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَحُكْمُ الْوَلَدِ الْحَادِثِ مِنْ بَيْنِ أَبَوَيْنِ مُخْتَلِفَيِ الْحُكْمِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُلْحَقًا بِحُكْمِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ، وَذَلِكَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: النَّسَبُ يَكُونُ مُلْحَقًا بِأَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ.

وَالثَّانِي: فِي الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّ وَلَدَ الْحُرِّ مَنْ أمه كَأَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ.

وَالثَّالِثُ: فِي الْوَلَاءِ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الْأَبَوَيْنِ وَلَاءٌ مِنْ جِهَتَيْنِ، كَانَ الْوَلَدُ دَاخِلًا فِي وَلَاءِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ.

وَالرَّابِعُ: فِي الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْأَبُ مَنْ قَوْمٍ لَهُمْ حُرِّيَّةٌ وَالْأُمُّ مِنْ آخَرِينَ لَهُمْ حُرِّيَّةٌ أُخْرَى فَإِنَّ حُرِّيَّةَ الْوَلَدِ حُرِّيَّةُ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>