للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أنه يجمل عَلَى عُمُومِ الْأَمْرَيْنِ.

فَإِنْ قَالُوا: إِنَّمَا سُمِّيَ شِغَارًا لِخُلُوِّهِ مِنْ صَدَاقٍ، وَنَحْنُ لَا نُخَلِّيهِ لِأَنَّنَا نُوجِبُ فِيهِ صَدَاقَ الْمِثْلِ فَامْتَنَعَ أَنْ يكون شغار.

قِيلَ: هَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ يَمْنَعُ مَا أَوْجَبْتُمُوهُ مِنَ الصَّدَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ مِنْ أَنْ يكون نكاح الشغار وقت العقد قد تَوَجَّهَ النَّهْيُ إِلَيْهِ فَاقْتَضَى فَسَادَهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ عقد فيه مثنوية، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَلَّكَ الزَّوْجَ بُضْعَ بِنْتِهِ بِالنِّكَاحِ أو ارْتَجَعَهُ مِنْهُ بِأَنْ جَعْلَهُ مَلِكًا لِبِنْتِ الزَّوْجِ بِالصَّدَاقِ، وَهَذَا مُوجِبٌ لِفَسَادِ النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ يَكُونَ بُضْعُهَا مِلْكًا لِفُلَانٍ، كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا بِالْإِجْمَاعِ، كَذَلِكَ هذا بالحجاج وتحريره: أنه جعل المقصود لِغَيْرِ الْمَعْقُودِ لَهُ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ قِيَاسًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي على أن يكون بضعها لفلان، ولأن جَعَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ مَعْقُودًا بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا كَمَا لَوْ زَوَّجَ بِنْتَهُ بِعَبْدٍ عَلَى أَنْ تَكُونَ رَقَبَتُهُ صَدَاقَهَا، وَلِأَنَّ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ إِذَا جُعِلَتْ عِوَضًا وَمُعَوَّضًا، فَإِذَا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ عِوَضًا بَطَلَ أَنْ تَكُونَ مُعَوَّضًا كَالثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ قَدْ بِعْتُكَ عَبْدِي بألفٍ عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لِبَيْعِ دَارِكَ عَلَيَّ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الْفَسَادَ فِي الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: قَدْ زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ كَانَ النِّكَاحُ جَائِزًا، فَهُوَ أَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا كَانَ فِي الشِّغَارِ لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْبُضْعِ، وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَكُونُ فِي الْبُضْعِ اشْتِرَاكٌ فَصَحَّ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ بِنْتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ عَلَى أَنَّ بُضْعَ بِنْتِي صَدَاقٌ لِبِنْتِكَ، بَطَلَ نِكَاحُ بِنْتِهِ، لأنه حصل في بضعها اشتراكاً، وَلَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُ الْأُخْرَى، لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ في بعضها اشتراكاً.

وأما استلاله بِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ صَدَاقَ بِنْتِهِ طَلَاقَ زَوْجَتِهِ صح فكذلك هاهنا فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ فَسَادٌ اخْتَصَّ بِالْمَهْرِ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي الْبُضْعِ تَشْرِيكٌ، فَلِذَلِكَ صَحَّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتِنَا.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ الْآخَرُ فَسَنَذْكُرُ من اختلاف أصحابنا في حكمه مَا يَكُونُ جَوَابًا - وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ -.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي: " وَلَوْ سَمَّى لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا صَدَاقًا فَلَيْسَ بِالشِّغَارِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالنِّكَاحُ ثابتٌ وَالْمَهْرُ فاسدٌ وَلِكُلِّ واحدةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَنِصْفُ مهرٍ إن طلقت قبل الدخول فإن قيل فقد ثبت النكاح بلا مهرٍ قيل لأن الله تعالى أجازه في كتابه فأجزناه والنساء محرمات الفروج إلا بما أحلهن الله به فلما نهى عليه الصلاة والسلام عن نكاح الشغار لم أحل محرماً بمحرمٍ وبهذا قلنا في نكاح المتعة والمحرم (قال) وقلت لبعض الناس أجزت نكاح الشغار ولم يختلف فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ورددت نكاح المتعة وقد اختلف فيها عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

<<  <  ج: ص:  >  >>