للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحُكِيَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَحْلَلْتَ الْمُتْعَةَ وَقَدْ حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. فقال المأمون: يا يحيى إن تحريم المتعة حديث رَوَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ أَعْرَابِيٌّ يَبُولُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَلَا أَقُولُ بِهِ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ أكثم: يا أمير المؤمنين هاهنا حَدِيثٌ آخَرُ فَقَالَ: هَاتِهِ يَا يَحْيَى فَقَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ. فَقَالَ الْمَأْمُونُ: لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ مَنْ؟ قَالَ يَحْيَى: عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ المأمون: كان أبي يبجله هيا فَقَالَ يَحْيَى: عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَالَ الْمَأْمُونُ: كَانَ ثِقَةً فِي حَدِيثِهِ، وَلَكِنْ كَانَ يَعْمَلُ لِبَنِي أمية هيا، فَقَالَ يَحْيَى: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنِيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: فَفَكَّرَ المأمون ساعة ثم قال: كان أحدهما يقول بالوعيد والآخر بالإرجاء (هيا) قَالَ يَحْيَى: عَنْ أَبِيهِمَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، قال: هيا. قَالَ يَحْيَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال: هيا قَالَ يَحْيَى: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَامَ خَيْبَرَ عَنِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ الْمَأْمُونُ: يَا غُلَامُ ارْكَبْ فَنَادِ إِنَّ الْمُتْعَةَ حَرَامٌ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُضْطَرِبَةٌ يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَامَ خَيْبَرَ، وَرُوِيَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ حَرَّمَهَا عَامَ الْفَتْحِ بمكة، وروي في بعضها عنه حَرَّمَهَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَرُوِيَ فِي بَعْضِهَا أَنَّهُ حَرَّمَهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَبَيْنَ كُلِّ وقت ووقت زمان ممتد ففيه جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَحْرِيمٌ كَرَّرَهُ فِي مَوَاضِعَ ليكون أظهر وأنشر حَتَّى يَعْلَمَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ عَلِمَهُ، ولأنه قَدْ يَحْضُرُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ مَنْ لَمْ يحضر معه في غَيْرَهُ، فَكَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي التَّحْرِيمِ وَأَوْكَدَ.

والجواب الثاني: أنا كَانَتْ حَلَالًا فَحُرِّمَتْ عَامَ خَيْبَرَ ثُمَّ أَبَاحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ عَلِمَهَا، ثُمَّ حَرَّمَهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِيهَا: " وَهِيَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَا كان من التحريم المتقدم موقت تعقبته إباحة وهذا تحريم مؤبد لا تتعقبه إِبَاحَةٌ وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عمر، وابن الزبير، وأبي هريرة.

قال ابْنُ عُمَرَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا السِّفَاحَ نَفْسَهُ.

وقال ابن الزبير: المتعة هي الزنا الصريح.

فإن قيل: فقد خالفهم ابن عباس ومع خلافه لا يكون الْإِجْمَاعُ، قِيلَ: قَدْ رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ إِبَاحَتِهَا وَأَظْهَرَ تَحْرِيمَهَا وَنَاظَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَلَيْهَا مُنَاظَرَةً مَشْهُورَةً، وَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ، قَالَ: وَمَا هُوَ يا عروة قال: تُفْتِي بِإِبَاحَةِ الْمُتْعَةِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ ينهيان عنها، فقال: عجبت منك، أخبرك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَتُخْبِرُنِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ: إِنَّهُمَا أَعْلَمُ بِالسُّنَّةِ مِنْكَ فَسَكَتَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>