للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أصبحت فارقها لا تَفْعَلْ فَإِنِّي مُقِيمَةٌ لَكَ مَا تَرَى وَاذْهَبْ إلى عمر فلما أصبح أتوه وأتوها، فَقَالَتْ لَهُمْ: كَلِّمُوهُ فَأَنْتُمْ أَتَيْتُمْ بِهِ، فَقَالُوا له: فارقها، فقال: لا أفعل امض إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: الْزَمْ زَوْجَتَكَ، فإن رابوك بريبة فائتني وبعث عمر إلى المرأة التي شئت لذلك فَنَكَّلَ بِهَا، وَكَانَ الْأَعْرَابِيُّ يَغْدُو وَيَرُوحُ إِلَى عُمَرَ فِي حُلَّةٍ، فَيَقُولُ لَهُ عُمَرُ: الْحَمْدُ لله الَّذِي كَسَاكَ يَا ذَا الرُّقْعَتَيْنِ حُلَّةً تَغْدُو فِيهَا وَتَرُوحُ، فَقَدْ أَمْضَى عُمْرُ النِّكَاحَ: فَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ مَالِكٍ فِي فَسَادِهِ، وَنَكَّلَ عُمَرُ بالمرأة التي مشت فِيهِ فَدَلَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَفَسَادِ مَا حُكِيَ عَنْ أبي حنيفة مِنِ اسْتِحْبَابِهِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا تقرر ما ذكرنا من أقسام نِكَاحِ الْمَحَلِّلِ، فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ تَعَلَّقَ بِهِ أحكام النكاح الصحيح من ثبوت الحصانة، ووجوب النفقة، وأن يكون مخيراً فيه بَيْنَ الْمُقَامِ، أَوِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ طَلَّقَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ التَّامَّةِ فَقَدْ أَحَلَّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ، فَأَمَّا المهر فإن لم يتضمن العقد شرط يُؤَثِّرُ فِيهِ فَالْمُسَمَّى هُوَ الْمُسْتَحَقُّ، وَإِنْ تَضَمَّنَ شَرْطًا يُؤَثِّرُ فِيهِ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مَهْرَ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ قُلْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ فِيهِ لِأَجْلِ الشُّبْهَةِ لَكِنْ يُعَزَّرُ لِإِقْدَامِهِ عَلَى مَنْهِيٍّ عَنْهُ، وَلَا يثبت بالإصابة فيه حصانة، وَلَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ نَفَقَةٌ، وَيَجِبُ فِيهِ بِالْإِصَابَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهَلْ يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ إِذَا ذَاقَتْ عُسَيْلَتَهُ وَذَاقَ عُسَيْلَتَهَا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ - أَنَّهُ يُحِلُّهَا لِلْأَوَّلِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِهِ، فَقَالَ بعضهم: ذوق العسيلة في شبهة النكاح تجري عَلَيْهِ حُكْمُ الصَّحِيحِ مِنَ النِّكَاحِ.

وَقَالَ آخَرُونَ: اختصاصه باسم المحلل موجب لاختصاصه بحكم التعليل، فَعَلَى التَّعْلِيلِ الْأَوَّلِ تَحِلُّ بِالْإِصَابَةِ فِي كُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مِنْ شِغَارٍ، وَمُتْعَةٍ، وَبِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ.

وَعَلَى التَّعْلِيلِ الثَّانِي: لَا تَحِلُّ بِغَيْرِ نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ مِنْ سَائِرِ الْأَنْكِحَةِ الْفَاسِدَةِ.

والقول الثاني: - وهو الجديد الصَّحِيحُ - إِنَّهُ لَا يُحِلُّهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ لَا فِي نِكَاحِ الْمُحَلِّلِ وَلَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الأنكحة الفاسدة حتى يكون نكاحاً صحيحاً، لقول اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) {البقرة: ٢٣٠) وَهَذَا لَيْسَ بِزَوْجٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ إِصَابَةٍ لَمْ يَتَعَلَّقْ بها إحصان لم يتعلق فيها إحلال الزوج كالإصابة بملك اليمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>