للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة: القول في النفاس)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتُّونَ يَوْمًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا النِّفَاسُ فَهُوَ دَمٌ يُرْخِيهِ الرَّحِمُ فِي حَالِ الْوِلَادَةِ، وَبَعْدَهَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ فَلَانٌ قَدْ نَفَسَ الدَّمَ إِذَا أَخْرَجَهُ، وَتَنَفَّسَ النَّهَارُ إِذَا طَالَ، وَتَنَفَّسَ الصُّبْحُ إِذَا ظَهَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّس) {التكوير: ١٨) أَيْ ظَهَرَ، وَالنِّفَاسُ كَالْحَيْضِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضَ، وَهِيَ السَّبْعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِيمَا يَحْرُمُ بِالْحَيْضِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالطَّوَافِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَةِ الْقِرَانِ وَوَطْءِ الزَّوْجِ، وَمُخَالِفٌ لَهُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أَحدُهَا: أَنَّ الْحَيْضَ قَدْ يكون بلوغاً من الصَّغِيرَةِ وَالنِّفَاسُ لَا يَكُونُ بُلُوغًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْبُلُوغُ بِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْحَمْلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَيْضَ يَكُونُ اسْتِبْرَاءً فِي الْعِدَّةِ، وَالنِّفَاسُ لَا يَكُونُ اسْتِبْرَاءً فِي الْعِدَّةِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ قَدْرَ النِّفَاسِ مُخَالِفٌ لِقَدْرِ الْحَيْضِ فِي أَقَلِّهِ وَأَكْثَرِهِ وَأَوْسَطِهِ.

(فَصْلٌ)

: فَأَمَّا أَقَلُّ النِّفَاسِ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ نَصٌّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا رَوَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَقَلُّ النِّفَاسِ سَاعَةً فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلِ السَّاعَةُ حَدٌّ لِأَقَلِّهِ أَوْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَجَمِيعِ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ مَحْدُودُ الْأَقَلِّ بِسَاعَةٍ، وَبِهِ قَالَ محمد بن الحسن وَأَبُو ثَوْرٍ.

الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ السَّاعَةَ تَقْلِيلًا وَتَفْرِيقًا لَا أَنَّهُ جَعَلَهَا حَدًّا، وَأَقَلُّهُ مَجَّةٌ مِنْ دَمٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أبو حنيفة: أَقَلُّ النِّفَاسِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا.

وَقَالَ أبو يوسف أَقَلُّهُ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَكُلُّ هَذِهِ الْحُدُودِ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ، وَلَا قِيَاسٌ عَلَى أَصْلٍ، وَإِنَّمَا وَجَدَ قَائِلُوهَا نِسَاءً كَانَ أَقَلُّ نِفَاسِهِنَّ مَا ذَكَرُوا فَجَعَلُوهُ حَدًّا مُسْتَحْسَنًا، وَلَيْسَ هَذَا دَلِيلًا عَلَى مَنْ وَجَدَ أَقَلَّ مِنْ حَدِّهِمْ، وَقَدْ وُجِدَ نِسَاءٌ كَانَ نِفَاسُهُنَّ أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ الْحُدُودِ.

رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَمْ تَرَ مَعَهُ دَمًا فَسُمِّيَتْ ذَاتَ الْجَفَافِ.

وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِذَا طَهُرَتِ النُّفَسَاءُ حِينَ تَضَعُ صَلَّتْ وَهَذَا نَصٌّ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا أَكْثَرُ النِّفَاسِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ أَكْثَرَهُ سِتُّونَ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّعْبِيُّ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَكْثَرُهُ خَمْسُونَ يَوْمًا.

وَقَالَ أبو حنيفة: أَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَحَكَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَهْلِ دِمَشْقَ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ مِنَ الْغُلَامِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَمِنَ الْجَارِيَةِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، وَكُلٌّ مِنْهُمْ رَجَعَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْحَدِّ إِلَى ما

<<  <  ج: ص:  >  >>