للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ شِدَّةِ حُبِّ مغيث بريرة ومن شدة بغض بريرة مغيث، قَالَ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لو راجعته فإنما هُوَ أَبُو وَلَدِكِ " فَقَالَتْ: أَتَأْمُرُنِي فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا شَافِعٌ، قَالَتْ فَلَا حَاجَةَ لِي فِيهِ.

فَأَمَّا تَرْجِيحُهُ بِأَنَّ شُهُودَ الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى مِنْ شُهُودِ الْعُبُودِيَّةِ كَذَلِكَ رَاوِي الْحُرِّيَّةِ أَوْلَى مِنْ رَاوِي الْعُبُودِيَّةِ.

فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ: إِنْ عَلِمَ شُهُودُ الْحُرِّيَّةِ بِالْعُبُودِيَّةِ فَشَهَادَتُهُمْ أَوْلَى، لِأَنَّهُمْ أَزْيَدُ عِلْمًا مِمَّنْ عَلِمَ الْعُبُودِيَّةَ، وَلَمْ يَعْلَمْ مَا يُجَدَّدُ بَعْدَهَا مِنَ الْحُرِّيَّةِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ شُهُودُ الْحُرِّيَّةِ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَكَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ قَدْ تَعَارَضَتَا فَسَقَطَتَا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ شَهَادَةَ الْعُبُودِيَّةِ أَوْلَى، لِأَنَّهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ مَنْ حُكْمِ الدَّارِ فَكَانَتْ أَزْيَدَ مِمَّنْ شَهِدَ بِالْحُرِّيَّةِ الَّتِي هِيَ الْغَالِبُ مَنْ حُكْمِ الدَّارِ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّقِيطَ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْحُرِّيَّةِ فِي الظَّاهِرِ، لِأَنَّهُ الْغَالِبُ مِنْ حُكْمِ الدار، ولأن أَهْلَهَا أَحْرَارٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ ترجيح.

فإن قالوا: تستعمل الرِّوَايَتَيْنِ فَتَحْمِلُ رِوَايَةَ مَنْ نَقَلَ الْعُبُودِيَّةَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَرِوَايَةَ مَنْ نَقَلَ الْحُرِّيَّةَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَقْتَ الْعِتْقِ، لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَطْرَأُ عَلَى الرِّقِّ، وَلَا يَطْرَأُ الرِّقُّ عَلَى الْحُرِّيَّةِ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِمَّنِ اسْتَعْمَلَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى.

وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ تَأْوِيلٌ يَبْطُلُ بِخَبَرَيْنِ:

أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ: أَنَّ أُسَامَةَ رَوَى عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ لِبَرِيرَةَ: " إِنْ شِئْتِ أَنْ تَسْتَقِرِّي تَحْتَ هَذَا الْعَبْدِ، وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتِيهِ " فَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ فِي وَقْتِ التَّخْيِيرِ عَبْدًا.

وَالْخَبَرُ الثَّانِي: مَا رَوَاهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا، وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: إِنَّنَا نُقَابِلُ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ بِمِثْلِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَانَ حُرًّا قَبْلَ السبي وعبداً بعد السبي عند العقد والتخيير.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَقْتَ الْعِتْقِ وَحُرًّا وقت التخيير فتكون لَهَا الْخِيَارُ فِي أَحَدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>