للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِيَارُهَا، وَإِنْ نَكَلَ رُدَّتِ الْيَمِينِ عَلَيْهَا فَإِنْ حَلَفَتْ كَانَ لَهَا الْخِيَارُ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ نَكَلَتْ فَلَا خِيَارَ لَهَا وَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ، وَهَذَا قَوْلُ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: وَالْأَوْزَاعِيُّ: يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بمعاودة خلوتها ويقربهما وَقْتَ الْجِمَاعِ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: امْرَأَتَانِ فإذا خرج من خلوتهما نظر فرجها، وإن كان ماء الرجل كان القول قوله، وإن لم يكن مَاؤُهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَهَذَا خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ اخْتِلَافَهَمَا فِي إصابةٍ تَقَدَّمَتْ فَلَمْ يَدُلُّ عَلَيْهَا مَا حَدَثَ بَعْدَهَا.

وَالثَّانِي: إِنَّ وُجُودَ الْمَاءِ وَعَدَمَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْإِصَابَةِ وَعَدَمِهَا، لِأَنَّهُ قَدْ يُنْزِلُ وَلَا يُولِجُ، وَقَدْ يُولِجُ وَلَا يُنْزِلُ، وَحَقُّهَا مُتَعَلِّقٌ بِالْإِيلَاجِ دُونَ الْإِنْزَالِ، وَحُكِيَ أَنَّ امْرَأَةً ادَّعَتْ عُنَّةَ رَجُلٍ عِنْدَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ وَاخْتَلَفَ في الإصابة، فكتب بها على معاوية يسأله عَنْهَا فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ، زَوِّجْهُ امْرَأَةً ذَاتَ جمال وحسنٍ توصف بدين وستر وسبق إليها مهرها من بيت المال لتختبر حَالَهُ، فَفَعَلَ سَمُرَةُ ذَلِكَ، فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَا خير عنده، فقال سمرة: ما دنى فقالت: بلى، ولكن إذا دنى شره أي أنزل قبل الإيلاج، وهذا مذهبه لِمُعَاوِيَةَ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَلَا لَهُ فِي الْأُصُولِ نَظِيرٌ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ عِنِّينًا فِي وَقْتٍ وَغَيْرَ عِنِّينٍ فِي وَقْتٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْمَذْهَبَانِ كَانَ مذهبهم أَبْطَلَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّكُمْ قَبِلْتُمْ بِهِ قول المدعي دون المنكر، والشرع وارد بقبول قَوْلِ الْمُنْكِرِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَوِ ادَّعَى إِصَابَةَ الْمُطَلَّقَةِ لِيُرَاجِعَهَا وَأَنْكَرَتْهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا دُونَهُ فَهَلَّا كَانَ فِي الْعُنَّةِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الإصابة.

قِيلَ: الْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعِلَّةِ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ يَدْفَعُ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ ثُبُوتُ النِّكَاحِ، وَهِيَ تَدَّعِي بِإِنْكَارِ الْإِصَابَةِ اسْتِحْقَاقَ فَسْخِهِ، فَصَارَتْ هِيَ مدعية، وهو منكر فَكَانَ مَصِيرُ هَذَا الْأَصْلِ يُوجِبُ قَبُولَ قَوْلِهِ دونها على أن ما تعذر إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فِيهِ جَازَ أَنْ يُقْبَلَ فِيهِ قَوْلُ مُدَّعِيهِ إِذَا كَانَ مَعَهُ ظَاهِرٌ يَقْتَضِيهِ كَاللَّوْثِ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ، فَأَمَّا دَعْوَاهُ الْإِصَابَةَ فِي الرَّجْعَةِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ دَعْوَى الْإِصَابَةِ فِي الْعُنَّةِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ دَعْوَى الإصابة في الرجعة تنفي مَا أَوْجَبَهُ الطَّلَاقُ مِنَ التَّحْرِيمِ وَدَعْوَى الْإِصَابَةِ في العنة تثبت مَا أَوْجَبَهُ النِّكَاحُ فِي اللُّزُومِ فَافْتَرَقَا.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ ادَّعَى الْإِصَابَةَ فِي الْعُنَّةِ مَعَ بَقَاءِ نِكَاحِهِ، فَصَارَ كَالْمُدَّعِي لِمَا فِي يَدِهِ وَدَعْوَاهُ الْإِصَابَةَ فِي الرَّجْعَةِ بَعْدَ زَوَالِ نِكَاحِهِ فَصَارَ كَالْمُدَّعِي لِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَافْتَرَقَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>