للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلَهَا زِيَادَتُهُ وَعَلَيْهَا نُقْصَانُهُ: فَنُقْصَانُهُ لَا يَكُونُ عَلَيْهَا إِلَّا إِذَا دُفِعَ إِلَيْهَا، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ دُونَهَا. وَأَمَّا زِيَادَتُهُ فَهِيَ لَهَا قَبْلَ الدَّفْعِ وَبَعْدَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ جَمَعَ بَيْنَ زِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ فِي أَنْ جَعَلَ ضَمَانَهَا بِالدَّفْعِ مُوجِبًا لَهَا، وَهَذَا الشَّرْطُ يَصِحُّ فِي النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَيْهَا إِلَّا إِذَا ضَمِنَتْهُ بِالدَّفْعِ، أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَهَا قَبْلَ دَفْعِهِ إِلَيْهَا وَبَعْدَهُ.

فَعَنْ هَذَا ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ جَعْلَ ذَلِكَ لَهَا بَعْدَ الدَّفْعِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ لَهَا قَبْلَ الدَّفْعِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَتَقْدِيرُهُ: وَكُلُّ مَا أَصْدَقَهَا فَمَلَكَتْهُ بِالْعَقْدِ فَلَهَا زِيَادَتُهُ، فَإِذَا ضَمِنَتْهُ بِالدَّفْعِ فَعَلَيْهَا نُقْصَانُهُ، وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ وَضْعُ الْخِطَابِ، أَوْ شَوَاهِدُ الْأُصُولِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى نَسَقِهِ صَحِيحٌ، وَالشَّرْطُ فِي حُكْمِهِ مُعْتَبَرٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ بَعْدَ الدَّفْعِ تَمْلِكُهَا مِلْكًا مُسْتَقِرًّا وَقَبْلَ الدَّفْعِ تَمْلِكُهَا غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتْلَفَ الصَّدَاقُ فِي يَدِ الزَّوْجِ فَيَزُولُ مِلْكُهَا عَنِ الزِّيَادَةِ إِنْ قِيلَ: إِنَّهَا تَرْجِعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ فَصَارَ الدَّفْعُ شَرْطًا فِي اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فَصَحَّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[مسألة]

قال الشافعي: " فَإِنْ أَصْدَقَهَا أَمَةً أَوْ عَبْدًا صَغِيرَيْنِ فَكَبِرَا أَوْ أَعْمَيَيْنِ فَأَبْصَرَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فعليها نصف قيمتها يَوْمَ قَبَضَهُمَا إِلَّا أَنْ تَشَاءَ دَفْعَهُمَا زَائِدَيْنِ فَلَا يَكُونُ لَهُ إِلَّا ذَلِكَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ غَيَّرَتْهُمَا بِأَنْ يَكُونَا كَبِرَا كِبَرًا بَعِيدًا فَالصَّغِيرُ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْكَبِيرُ فَيَكُونُ لَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِمَا وَإِنْ كَانَا نَاقِصَيْنِ فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِمَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا نَاقِصَيْنِ فَلَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَا يَصْلُحَانِ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الصَّغِيرُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا سَمَّى لِزَوْجَتِهِ صَدَاقًا ثُمَّ طَلَّقَهَا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ سلم الصداق إليها.

والثاني: أن لا يَكُونَ قَدْ سَلَّمَهُ إِلَيْهَا.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ سَلَّمَهُ إِلَيْهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَهُوَ عَلَى ضربين:

أحدهما: بيان الضرب الأول.

أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا فِي الذِّمَّةِ كَمُسَمًّى مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ. أَوْ مَوْصُوفًا مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ فَلَا يَخْلُو طَلَاقُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ.

فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَقَدِ اسْتَحَقَّتْ جَمِيعَهُ، وَاسْتَقَرَّ مِلْكُهَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍْ} (النساء: ٢١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>