للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعْنِي: الزَّوْجُ الْمُوسِرُ، وَالزَّوْجُ الْمُعْسِرُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُعْتَبَرُ بِهَا حَالُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ، فَتُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَتُعْتَبَرُ بِهَا حَالُ الزَّوْجَةِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا نَعْتَبِرُهُ مِنْ حَالِ الزَّوْجَةِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ سِنُّهَا، وَنَسَبُهَا، وَجَمَالُهَا، كَمَا يُعْتَبَرُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَعْتَبِرُهَا حَالَ قُمَاشِهَا، وَجَهَازِهَا، فِي قِلَّتِهِ وَكَثْرَتِهِ، لِأَنَّهَا عِوَضٌ مِنْ أَخْلَاقِهِ وَمُؤْنَةِ نَقْلِهِ.

وَهَذَا وَجْهٌ مَرْدُودٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْجَهَازُ مَقْصُودًا فَيُعْتَبَرُ، وَلَوِ اعْتُبِرَ فِي الْمُتْعَةِ لَكَانَ اعْتِبَارُهُ فِي الْمَهْرِ أَحَقَّ، وَلَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ مُتْعَةً لِمَنْ لَا جَهَازَ لَهَا.

فَصْلٌ

وَأَمَّا الْمُفَوَّضَةُ الَّتِي فُرِضَ لَهَا مَهْرٌ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ:

إِمَّا بِأَنْ يَتَرَاضَى الزَّوْجَانِ بِفَرْضِهِ وَتَقْدِيرِهِ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

وَإِمَّا بِأَنْ يَفْرِضَهُ الْحَاكِمُ، فَيَصِيرُ بِالْفَرْضِ بَعْدَ التَّفْوِيضِ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَهَا نِصْفُ الْمَفْرُوضِ دُونَ الْمُتْعَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَبْطُلُ الْمَفْرُوضُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَيَثْبُتُ حُكْمُ التَّفْوِيضِ فِي وُجُوبِ الْمُتْعَةِ كَالَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا مَهْرٌ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمُفَوَّضَةَ وَجَبَ لَهَا بِالْعَقْدِ مَهْرٌ وَسَقَطَ بِالطَّلَاقِ، وَاسْتِدْلَالًا: بِأَنَّهُ نِكَاحٌ خَلَا عَنْ ذِكْرِ مَهْرٍ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَقَّ فِيهِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ الْمُتْعَةُ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الْمَفْرُوضِ لَهَا مَهْرٌ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُوهُن وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ) {البقرة: ٢٣٧) . فكان قوله: {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} عَلَى عُمُومِ الْحَالَيْنِ فِيمَا فَرَضَ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ بِالْمَفْرُوضِ بَعْدَ الْعَقْدِ أَشْبَهَ، فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ اسْتِرْجَاعَ نِصْفِهِ.

وَأَبُو حَنِيفَةَ يُوجِبُ اسْتِرْجَاعَ جَمِيعِهِ، فَكَانَ قَوْلُهُ مَدْفُوعًا بِالنَّصِّ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " أَدُّوا الْعَلَائِقَ "، قِيلَ: وَمَا الْعَلَائِقُ؟ قَالَ: " مَا تَرَاضَى بِهِ الْأَهْلُونَ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِ التَّرَاضِي فِي حَالِ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ فَرْضٌ يَسْتَقِرُّ بِالدُّخُولِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ كَالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْمَفْرُوضَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسَمَّى فِي اسْتِقْرَارِهِ بِالْمَوْتِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ.

فَأَمَّا بِنَاءُ أَبِي حَنِيفَةَ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِ فَمُخَالِفٌ فِيهِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُ: فَالْمَعْنَى فِي الْمُفَوَّضَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِالْمَوْتِ مَفْرُوضٌ، وَتَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>