للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَهْرَ يَلْزَمُ بِفَرْضِهِمَا كَمَا يَلْزَمُ بِفَرْضِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ فَرَضَاهُ مَعَ عِلْمِهِمَا بقدر المثل صح، وجاز أن يفرضا مهل الْمِثْلِ، وَأَكْثَرَ مِنْهُ، وَأَقَلَّ، وَأَنْ يَعْدِلَا إِلَى عِوَضٍ مِنْ ثَوْبٍ، أَوْ عَبْدٍ، بِخِلَافِ الْحَاكِمِ الَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ جِنْسِ الْمَهْرِ وَمِقْدَارِهِ، لِأَنَّ فَرْضَ الزَّوْجَيْنِ كَالتَّسْمِيَةِ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ فَرَضَاهُ مَعَ جَهْلِهِمَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْفَرْضُ، وَيَكُونُ بَاطِلًا كَالَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا، كَمَا لَوْ فَرَضَهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ، وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنَى الْإِبْرَاءِ مِنْ مَجْهُولٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ، إِنَّهُ يَجُوزُ، وَيَصِحُّ الْفَرْضُ، لِأَنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِالْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ جَهِلَا مَهْرَ الْمِثْلِ، كَذَلِكَ مَا فَرَضَاهُ بَعْدَ الْعَقْدِ.

وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَتَرَتَّبَانِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الَّذِي يَجِبُ لَهَا، هَلْ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ، أَوْ هو مُطْلَقٌ؟ .

فَإِنْ قِيلَ: مَهْرُ الْمِثْلِ، لَمْ يَصِحَّ فَرْضُهُمَا، إِلَّا بَعْدَ عِلْمِهِمَا بِهِ.

وَإِنْ كَانَ مَهْرٌ مُطْلَقٌ صَحَّ فَرْضُهُمَا مَعَ الْجَهْلِ بِهِ.

فَصْلٌ: وَأَمَّا الثَّالِثُ

: مِمَّا يَجِبُ بِهِ مَهْرُ الْمُفَوَّضَةِ، فَهُوَ الدُّخُولُ، لِأَنَّ الْمَهْرَ لَمَّا وَجَبَ بِوَطْءِ الشُّبْهَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ بِالْوَطْءِ، فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَالْوَاجِبُ بِهَذَا الدُّخُولِ هُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْلًا وَاحِدًا، سَوَاءٌ تَعَقَّبَهُ مَوْتٌ أَوْ طَلَاقٌ.

وَإِذَا وَجَبَ بِالدُّخُولِ، فَتَقْدِيرُهُ يَكُونُ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ وُجُوبُهُ عَلَى حُكْمِهِ، فَيَكُونُ حُكْمُهُ مَقْصُورًا عَلَى تَقْدِيرِهِ دُونَ إِيجَابِهِ، وَحُكْمُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّقْدِيرِ وَالْإِيجَابِ.

فَإِنْ قَدَّرَهُ الزَّوْجَانِ لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُهُمَا إِلَّا مَعَ عِلْمِهِمَا بِهِ، قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ الْمَهْرَ هَاهُنَا قِيمَةُ مُسْتَهْلَكٍ، فَإِنْ جَهِلَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَصِحَّ تَقْدِيرُهُ، وَكَانَ عَلَى إِرْسَالِهِ بَعْدَ وُجُوبِهِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَسْتَحِبُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِهَا، إِلَّا بَعْدَ فَرْضِ الْمَهْرِ، لِيَكُونَ مُسْتَمْتِعًا بِمَهْرٍ مَعْلُومٍ، وَلِيُخَالِفَ حَالَ الْمَوْهُوبَةِ الَّتِي خُصَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

فَصْلٌ: وَأَمَّا الرَّابِعُ

: فَهُوَ الْمَوْتُ، وَفِي وُجُوبِ مَهْرِ الْمُفَوَّضَةِ بِهِ قَوْلَانِ مَضَيَا، ثُمَّ إِنْ أوجبناه فهو مهر المثل، ولا يقدره إلى الْحَاكِمُ وَحْدَهُ، فَإِنْ قَدَّرَهُ مَعَ الْبَاقِي مِنَ الزوجين أجبني عُلِمَ قَدْرُهُ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُؤَدِّيَهُ مِنْ مَالِهِ جَازَ، كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنًا عَنْ مَيِّتٍ، أَوْ قَضَاهُ عَنْ حَيٍّ، لِوَرَثَةِ مَيِّتٍ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُؤْخَذَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ فَفِي جَوَازِهِ إِذَا تَرَاضَى بِهِ الْبَاقِي وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ قَوْلَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي حُكْمِ غير الحاكم، هو يَلْزَمُ بِالتَّرَاضِي أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ

قال الشافعي: " فَإِنْ فَرَضَهُ فَلَمْ تَرْضَهُ حَتَّى فَارَقَهَا لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْعُقْدَةِ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>