للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الماوردي: اعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ لَا يَدْخُلُهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ، وَلَا خِيَارُ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ نَاجِزًا لَا تُقْصَدُ فِيهِ الْمُغَابَنَةُ وَالْخِيَارُ مَوْضُوعٌ لِاسْتِدْرَاكِ الْمُغَابَنَةِ.

فَإِنْ شَرَطَ فِيهِ أَحَدَ الْخِيَارَيْنِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشْتَرِطَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ بِاشْتِرَاطِهِ فِيهِ لِمُنَافَاتِهِ لَهُ فِي اللُّزُومِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَشْرُوطًا فِي الصَّدَاقِ دُونَ النِّكَاحِ، فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ، وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا: إِنَّ الصَّدَاقَ بَاطِلٌ وَالنِّكَاحَ جَائِزٌ.

وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ: النِّكَاحُ بَاطِلٌ.

فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ نَصِّهِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ:

فَخَرَّجَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّدَاقَ بَاطِلٌ وَالنِّكَاحَ جَائِزٌ، لِأَنَّ بُطْلَانَ الصَّدَاقِ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ النِّكَاحِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ النِّكَاحَ بَاطِلٌ لِبُطْلَانِ الصَّدَاقِ، وَلَمْ يُحْكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَبْطَلَ النِّكَاحَ لِبُطْلَانِ الصَّدَاقِ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لِأَنَّ دُخُولَ الْخِيَارِ فِي الْبَدَلِ كَدُخُولِهِ فِي الْمُبْدَلِ.

وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَيْنِ.

فَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَبْطَلَ فِيهِ النِّكَاحَ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ مَشْرُوطًا فِي النِّكَاحِ.

وَالْمَوْضِعُ الَّذِي أَبْطَلَ فِيهِ الصَّدَاقَ وَأَجَازَ النِّكَاحَ، إِذَا كَانَ الْخِيَارُ مَشْرُوطًا فِي الصَّدَاقِ دُونَ النِّكَاحِ لِأَنَّ الصَّدَاقَ عَقْدٌ يَصِحُّ إِفْرَادُهُ عَنِ النِّكَاحِ كَمَا يَصِحُّ إِفْرَادُ النِّكَاحِ عَنْهُ فَلَمْ يُوجِبْ بُطْلَانُ الصَّدَاقِ بُطْلَانَ النِّكَاحِ.

فَإِذَا قِيلَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ، فَلَا مَهْرَ، فَإِنْ أَصَابَهَا فَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا. وَإِذَا قِيلَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ: فَقَدْ حَكَى أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ فِي الصَّدَاقِ والخيار لأصحابنا ثلاثة أوجه: ولم أو غَيْرَهُ يَحْكِيهِ، لِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ لَا يَقْتَضِيهِ.

أَحَدُهَا: هُوَ أَنَّ الْخِيَارَ بَاطِلٌ وَالصَّدَاقَ بَاطِلٌ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، لِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ دُخُولُ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ امْتَنَعَ دُخُولُهُ فِي بَدَلِهِ، وَالْخِيَارُ إِذَا دَخَلَ فِيمَا يُنَافِيهِ أَبْطَلَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ خِلَافُ نَصِّهِ: أَنَّ الصَّدَاقَ جَائِزٌ، وَالْخِيَارَ ثَابِتٌ، لِأَنَّ الصَّدَاقَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يَصِحُّ إِفْرَادُهُ فَجَرَى حُكْمُهُ حُكْمَ الْخِيَارِ فِيهِ مَجْرَاهُ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>