للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِي التَّابِعِينَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَطَاوَسٍ.

وَفِي الْفُقَهَاءِ قَوْلُ رَبِيعَةَ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ: إِنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ، نَدَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى الْعَفْوِ كَمَا نَدَبَهَا، لِيَكُونَ عَفْوُهُ تَرْغِيبًا لِلنِّسَاءِ فِيهِ، كَمَا كَانَ عَفْوُهَا تَرْغِيبًا لِلرِّجَالِ فِيهَا.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ: شُرَيْحٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالشَّعْبِيُّ.

وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَبِي حَنِيفَةَ.

ثُمَّ قَالَ: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلْتَقْوَى) {البقرة: ٢٣٧) . وَفِي الْمَقْصُودِ بِهَذَا الْخِطَابِ قَوْلَانِ لِأَهْلِ التَّأْوِيلِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

فَيَكُونُ الْعَفْوُ الْأَوَّلُ خِطَابًا لِلزَّوْجَةِ، وَالْعَفْوُ الثَّانِي خِطَابًا لِلزَّوْجِ، وَالْعَفْوُ الثَّالِثُ خِطَابًا لَهُمَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ خِطَابٌ لِلزَّوْجِ وَحْدَهُ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّعْبِيِّ فَيَكُونُ الْعَفْوُ الْأَوَّلُ خِطَابًا لِلْكَبِيرَةِ، وَالْعَفْوُ الثَّانِي خِطَابًا لِوَلِيِّ الصَّغِيرَةِ، وَالْعَفْوُ الثَّالِثُ خِطَابًا لِلزَّوْجِ وَحْدَهُ.

وَفِي قَوْلِهِ: {أَقْرَبُ لِلْتَقْوَى} تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَقْرَبُ لِاتِّقَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ظُلْمَ صَاحِبِهِ.

وَالثَّانِي: أَقْرَبُ إِلَى اتِّقَاءِ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نَدْبِهِ.

ثُمَّ قَالَ: {وَلاَ تَنْسَوْا الفَضْلَ بَيْنكُمْ} أَيْ تَفَضُّلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا نَدَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَفْوِ وَنَبَّهَ عَلَى اسْتِعْمَالِ مِثْلِهِ فِي كُلِّ حَقٍّ بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ.

فَهَذَا تَأْوِيلُ الْآيَةِ.

فَصْلٌ

فَأَمَّا تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فِي الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ: فَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ وَلِيُّ الصَّغِيرَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ مِنَ الْآيَةِ بِأَرْبَعَةِ دَلَائِلَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ افْتَتَحَهَا بِخِطَابِ الْأَزْوَاجِ مُوَاجَهَةً، ثم عدل بقول: {إِلاَّ أَنْ يُعْفُونَ} إِلَى خِطَابِ الزَّوْجَاتِ كِنَايَةً، ثُمَّ أرسلَ قَوْلَهُ: {أَوْ يَعْفُوا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} خطاباً لمكني

<<  <  ج: ص:  >  >>