للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزَّوْجَاتِ، فَكَانَ حَمْلُ الْخِطَابِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْعُمُومَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا يُوجِبُ الْخُصُوصَ.

وَالْخَامِسُ قَوْلُهُ: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلْتَّقْوَى} وَهَذَا الْخِطَابُ غَيْرُ مُتَوَجَّهٍ إِلَى الْوَلِيِّ، لِأَنَّ قُرْبَهُ مِنَ التَّقْوَى أَنْ يَحْفَظَ مَالَ مَنْ يَلِي عَلَيْهِ لَا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ وَيَبْرَأَ مِنْهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ الزَّوْجُ دُونَ الْوَلِيِّ وَهُوَ رَاجِعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَهُ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الْمُتَقَدِّمُ قَبْلَهُ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجَ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ السُّنَّةِ: مَا رَوَاهُ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " وَلِيُّ عَقْدِ النِّكَاحِ الزَّوْجُ " وَهَذَا نَصٌّ.

وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، رَوَى شُرَيْحٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ.

وَرَوَى أَبُو سَلَمَةَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي فِهْرٍ فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا، وَأَرْسَلَ إِلَيْهَا صَدَاقَهَا كَامِلًا، وَقَالَ: أَنَا أَحَقُّ بِالْعَفْوِ مِنْهَا، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} .

وَهَذَا قَوْلُ صَحَابِيَّيْنِ، فَإِنْ قِيلَ: خَالَفَهُمَا ابْنُ عباس.

قيل: قد اختلف عَنْهُ الرِّوَايَةُ فَتَعَارَضَتَا وَثَبَتَ خِلَافُهُ فَصَارَ الْإِجْمَاعُ بِغَيْرِهِ مُنْعَقِدًا.

وَمِنْ طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ الزَّوْجَيْنِ مُتَكَافِئَانِ فِيمَا أُمِرَا بِهِ وَنُدِبَا إِلَيْهِ، فَلَمَّا نُدِبَتِ الزَّوْجَةُ إِلَى الْعَفْوِ تَرْغِيبًا لِلرِّجَالِ فِيهَا اقْتَضَى أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مَنْدُوبًا إِلَى مِثْلِهِ تَرْغِيبًا لِلنِّسَاءِ فِيهِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْأَبُ الْعَفْوَ لَمَلَكَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ، وَلَوْ مَلَكَهُ فِي الْبِكْرِ لَمَلَكَهُ فِي الثَّيِّبِ، وَلَوْ مَلَكَهُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَمَلَكَهُ بَعْدَهُ، وَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ الطَّلَاقِ لَمَلَكَهُ قَبْلَهُ، وَلَوْ مَلَكَهُ فِي الْمَهْرِ لَمَلَكَهُ فِي الدَّيْنِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَنَّ مَنْ لَمْ يَمْلِكِ الْعَفْوَ عَنْ مَهْرِهَا إِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا لَمْ يَمْلِكْهُ إِذَا كَانَتْ بِكْرًا كَالْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ طَرْدًا، وَكَالسَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ عَكْسًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِهِ الْأَبُ فِي الْبِكْرِ لِاخْتِصَاصِهِ بِإِجْبَارِهَا عَلَى النِّكَاحِ.

قِيلَ: قَدْ يَمْلِكُ إِجْبَارَ الْمَجْنُونَةِ وَالْبِكْرِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ عَنْ صَدَاقِهَا، وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَمْلِكِ الْعَفْوَ عَنِ الْمَهْرِ بَعْدَ الدُّخُولِ لَمْ يَمْلِكْهُ قَبْلَهُ، كَالصَّغِيرَةِ طَرْدًا وَالْكَبِيرَةِ عَكْسًا.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدَ الدُّخُولِ لِاسْتِهْلَاكِ بُضْعِهَا بِالدُّخُولِ.

قِيلَ: لَا فَرْقَ فِي رَدِّ عَفْوِهِ بَيْنَ مَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ رَدِّ بَدَلٍ كَالثَّمَنِ، وَبَيْنَ مَا كَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ كَالْمِيرَاثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>