للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِحَقٍّ يَجِبُ لَهَا تَعْجِيلُهُ، فَإِذَا صَارَ الصَّدَاقُ مَعَ الْأَمِينِ كَانَ امْتِنَاعُهَا بَعْدَ ذَلِكَ مُسْقِطًا لنفقتها؛ لأنها ممتنعة بغير حق.

الْقَوْلُ فِي إِجْبَارِ الْمَرْأَةِ الضَّعِيفَةِ عَلَى الدُّخُولِ

[مسألة]

قال الشافعي: " وَإِنْ كَانَتْ نِضْوًا أُجْبِرَتْ عَلَى الدُّخُولِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ مرضٍ لَا يُجَامَعُ فِيهِ مِثْلُهَا فَتُمْهَلُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا النِّضْوَةُ الْخَلْقِ فَهِيَ الدَّقِيقَةُ الْعَظْمِ، الْقَلِيلَةُ اللَّحْمِ، فَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ نِضْوَةَ الْخَلْقِ فَلَهَا حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خِلْقَةً لَا يُرْجَى زَوَالُهُ، فَعَلَيْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا كَغَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ، وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا بِحَسْبِ طَاقَتِهَا وَلَا يَنْكَأَهَا فِي نَفْسِهَا وَيُؤْذِيَهَا فِي بَدَنِهَا.

وَقَدْ كَانَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها، خفيفة اللحم، ولخفة لَحْمِهَا رُفِعَ هَوْدَجُهَا فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ، وَقَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ لِلْحَاجَةِ فَلَمْ يُعْلَمْ خُرُوجُهَا مِنْهُ حَتَّى أَدْرَكَهَا صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ فَحَمَلَهَا.

وَكَانَ مِنْ شَأْنِ الْإِفْكِ أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ مَا أَنْزَلَ فَلَمْ تَمْنَعْ ضُؤُولَتُهَا، وَخِفَّةُ لَحْمِهَا مِنْ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهَا، فَلَوْ كَانَتِ النِّضْوَةُ عَلَى حَدٍّ إِنْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ أَتْلَفَهَا مُنِعَ مِنْ وَطْئِهَا، وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا، بِخِلَافِ الرَّتْقَاءِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ الزَّوْجُ فِيهَا خِيَارَ الْفَسْخِ لِتَعَذُّرِ وَطْئِهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الرَّتْقَاءَ لَا يَقْدِرُ كُلُّ زَوْجٍ عَلَى وَطْئِهَا فَصَارَ الْمَنْعُ مُخْتَصًّا بِهَا، فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ، وَالنِّضْوَةُ الْخَلْقِ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا الزَّوْجِ إِذَا كَانَ مِثْلَهَا نِضْوًا أَنْ يَطَأَهَا فَصَارَ الْمَنْعُ مِنْهُمَا، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَادِثٍ مِنْ مَرَضٍ يُرْجَى زَوَالُهُ، فَلَا يَلْزَمُهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا، وَتُمْهَلُ حَتَّى تَصِحَّ مِنْ مَرَضِهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِحَادِثِ مَرَضٍ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ خِلْقَةً مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَالِاسْتِمْتَاعُ مُسْتَحَقٌّ فِيهِ بَعْدَ الصِّحَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا قَبْلَ الصِّحَّةِ، وَمَا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَالِاسْتِمْتَاعُ فِيهِ مُسْتَحَقٌّ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا حَالُ الصِّحَّةِ، فَلَزِمَهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَأْخِيرِ زِفَافِ الْمَرِيضَةِ إِلَى حَالِ الصِّحَّةِ فَلَمْ يَلْزَمْهَا التَّسْلِيمُ قَبْلَ الصِّحَّةِ، وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِتَسْلِيمِ النِّضْوَةِ الْخِلْقَةِ عَاجِلًا فَلَزِمَهَا التَّسْلِيمُ فِي الْحَالِ اعْتِبَارًا بِالْعَادَةِ فيهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>