للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاسْتَدَلَّ مَنْ نَصَرَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَنَّ الْخَلْوَةَ تَقْتَضِي كَمَالَ الْمَهْرِ وَوُجُوبَ الْعِدَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بَهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} وَلَهُمْ مِنَ الْآيَةِ دَلِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: عُمُومُ قَوْلِهِ {فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً} إِلَّا مَا خَصَّهُ دَلِيلٌ.

وَالثَّانِي: قَوْلُهُ {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَاهُ وَقَدْ خَلَا بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ الْفَضَاءَ هُوَ الْمَوْضِعُ الْوَاسِعُ الْخَالِي، وَقَوْلُ الْفَرَّاءِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِاللُّغَةِ حُجَّةٌ.

وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ كَشَفَ قِنَاعَ امرأةٍ فَقَدْ وَجَبَ لَهَا الْمَهْرُ كَامِلًا ".

وَهَذَا نَصٌّ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: " مَا ذَنْبُهُنَّ إِنْ جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ ".

وَرُوِيَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى أَنَّهُ قَالَ: قَضَى الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَنَّ مَنْ أَغْلَقَ بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ".

وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّمْكِينُ مِنَ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِيفَائِهَا فِي اسْتِقْرَارِ بَدَلِهَا كَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُسْتَحَقَّ بِالْعَقْدِ قَدْ وُجِدَ مِنْ جِهَتِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَقِرَّ الْعِوَضُ لَهَا، أَصْلُهُ: إِذَا وَطِئَهَا.

وَلِأَنَّ الْمَهْرَ فِي مُقَابَلَةِ الْإِصَابَةِ كَمَا أَنَّ النَّفَقَةَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ التَّمْكِينَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ شَرْطٌ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ فِي اسْتِقْرَارِ النَّفَقَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ التَّمْكِينُ مِنَ الْإِصَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْإِصَابَةِ فِي اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ فِي كَمَالِ مَهْرٍ، وَلَا وُجُوبِ عِدَّةٍ وَلَا بَدْءٍ فِي دَعْوَى قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} وَالْمَسِيسُ عِبَارَةٌ عَنِ الْوَطْءِ لِثَلَاثَةِ مَعَانٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ مَرْوِيٌّ فِي التَّفْسِيرِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَسِيسَ كِنَايَةٌ لِمَا يُسْتَقْبَحُ صَرِيحُهُ، وَلَيْسَتِ الْخَلْوَةُ مُسْتَقْبَحَةَ التَّصْرِيحِ فَيُكَنِّي عَنْهَا، وَالْوَطْءُ مُسْتَقْبَحٌ فَكُنِّيَ بِالْمَسِيسِ عَنْهُ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمَسِيسَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ كَمَالُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَا بِهَا مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ كَمَلَ عِنْدَهُمُ الْمَهْرُ، وَلَوْ وَطِئَهَا مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ كَمَلَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَلَوْ مَسَّهَا مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ، وَلَا وَطْءٍ لَمْ يَكْمُلِ الْمَهْرُ، فَكَانَ حَمْلُ الْمَسِيسِ عَلَى الْوَطْءِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>