للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ دُعِيَ إِلَيْهَا أَنْ يُجِيبَ مَا لَمْ يَكُنْ مَعْذُورًا بِالتَّأْخِيرِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الدَّلِيلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَإِذَا أَجَابَ مَنْ دُعِيَ مَنْ تَقَعُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ وُجُوبُهَا عَنِ الْبَاقِينَ، وَإِلَّا خَرَجُوا أَجْمَعِينَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْوَلِيمَةِ ظُهُورُهَا وَانْتِشَارُهَا لِيَقَعَ الْفَرْقُ فِيهَا بَيْنَ النِّكَاحِ وَالسِّفَاحِ، فَإِذَا وُجِدَ مَقْصُودُهَا بِمَنْ خُصَّ سَقَطَ وُجُوبُهَا عَمَّنْ تَأَخَّرَ.

فَصْلٌ: شُرُوطُ الداعي

وَإِذَا كَانَتِ الْإِجَابَةُ وَاجِبَةً عَلَى مَا وَصَفْنَا فَلِوُجُوبِهَا شُرُوطٌ تُعْتَبَرُ فِي الدَّاعِي وَالْمَدْعُوِّ فَأَمَّا الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الدَّاعِي فَسِتَّةُ شُرُوطٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَالِغًا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِذْنُ وَالتَّصَرُّفُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بالغٍ لَمْ تَلْزَمْ إِجَابَتُهُ، وَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا لِبُطْلَانِ إِذْنِهِ وَرَدِّ تَصَرُّفِهِ.

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لِفَقْدِ تَمْيِيزِهِ أَسْوَأُ حَالًا مِنَ الصَّغِيرِ فِي فَسَادِ إِذْنِهِ وَرَدِّ تَصَرُّفِهِ.

وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لَمْ تَلْزَمْ إِجَابَتُهُ، فَلَوْ أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ لَمْ تَلْزَمْ إِجَابَتُهُ أَيْضًا، لِأَنَّ وَلِيَّهُ مَنْدُوبٌ لِحِفْظِ مَالِهِ لَا لِإِتْلَافِهِ.

وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ حُرًّا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فَلَمْ تَلْزَمْ إِجَابَتُهُ لِفَسَادِ إِذْنِهِ فَلَوْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ صَارَ كَالْحُرِّ فِي لُزُومِ إِجَابَتِهِ.

وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا تَلْزَمُ مُوَالَاتُهُ فِي الدِّينِ، فَإِنْ كَانَ الدَّاعِي ذِمِّيًّا لِمُسْلِمٍ فَفِي لُزُومِ إِجَابَتِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ لِعُمُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، فَإِنَّهُ مَلْهُوفٌ ".

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَلْزَمُ إِجَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُسْتَخْبَثَ الطَّعَامِ مُحَرَّمًا.

وَلِأَنَّ نَفْسَ الْمُسْلِمِ تَعَافُ كُلَّ طَعَامِهِ، وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الطَّعَامِ التَّوَاصُلُ بِهِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَمْنَعُ مِنْ تَوَاصُلِهِمَا، فَإِنْ دَعَا مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَجْهًا وَاحِدًا، لِأَنَّهُ لَا يَلْتَزِمُ أَحْكَامَ شَرْعِنَا إِلَّا عَنْ تراضٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>