للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا التَّسْمِيَةُ عَلَى الطَّعَامِ قَبْلَ مَدِّ يَدِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ بَعْدَ رَفْعِهَا فَقَدْ فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِكَ وَأَمَرَ بِهِ.

وَمِنْهَا: أَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِيهِ وَلَا يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى مَا بَعُدَ عَنْهُ وَلَا يَأْكُلَ مِنْ ذِرْوَةِ الطَّعَامِ، فَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْبِرْكَةُ فِي ذِرْوَةِ الطَّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حواليها " وإذا وضع اسْتَبَاحَ الْحَاضِرُونَ أَكْلَهُ، وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ قولاً اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ وَأَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الدُّعَاءِ إذن فِيمَا تَأَخَّرَ مِنَ الطَّعَامِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا مَتَى يَسْتَحِقُّ الْحَاضِرُ مَا يَأْكُلُهُ حَتَّى يَصِيرَ أَمْلَكَ بِهِ مِنْ رَبِّهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: إِذَا أَخَذَ اللُّقْمَةَ مِنَ الطَّعَامِ بِيَدِهِ صَارَ بِهَا أَحَقَّ وَأَمْلَكَ لَهَا؛ لِأَنَّ حُصُولَهَا فِي الْيَدِ قَبْضٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُسْتَرْجَعَ مِنْهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ أَحَقَّ بِهَا وأملك لها إِذَا وَضَعَهَا فِي فَمِهِ، فَأَمَّا وَهِيَ بِيَدِهِ فَمَالِكُ الطَّعَامِ أَحَقُّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي الْأَكْلِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بَعْدَ الْحُصُولِ فِي الْفَمِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَصِيرَ أحق بها وأملك إِلَّا بَعْدَ مَضْغِهَا، وَبَلْعِهَا، لِأَنَّ الْإِذْنَ يَضْمَنُ اسْتِهْلَاكَهُ بِالْأَكْلِ وَلَا يَجْلِسُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْأَكْلِ إِلَّا عَنْ إِذْنٍ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا طِعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) {الأحزاب: ٥٣) .

وَرَوَى وَاصِلُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ أَبِي سَوْرَةَ وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَلَا حَبَّذَا الْمُتَخَلِّلُونَ مِنْ أُمَّتِي "، قَالُوا: وَمَا الْمُتَخَلِّلُونَ، قَالَ: " الْمُتَخَلِّلُونَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْمُتَخَلِّلُونَ بِالْمَاءِ في الوضوء ".

[مسألة]

قال الشافعي: " فإذا كَانَ فِيهَا الْمَعْصِيَةُ مِنَ الْمُسْكِرْ أَوِ الْخَمْرِ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْمَعَاصِي الظَّاهِرَةِ نَهَاهُمْ فَإِنْ نَحَّوْا ذَلِكَ عَنْهُ وَإِلَّا لَمْ أُحِبَّ لَهُ أَنْ يَجْلِسَ فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ لم أجب لَهُ أَنْ يُجِيبَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا دُعِيَ إِلَى وَلِيمَةٍ وَفِيهَا خُمُورٌ أو ملاهي أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِهِ قَبْلَ حُضُورِهِ أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ حضوره فله حالتان:

أحدها: أَنْ يَقْدِرَ عَلَى إِنْكَارِهِ وَإِزَالَتِهِ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَحْضُرَ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لِإِجَابَةِ الدَّاعِي.

وَالثَّانِي: لإزالة المنكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>