للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى إِزَالَتِهِ فَفَرْضُ الْإِجَابَةِ قَدْ سَقَطَ، وَأَوْلَى أَنْ لَا يَحْضُرَ وَفِي جَوَازِ حُضُورِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا فِي حُضُورِهِ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْمُنْكَرِ وَالرِّيبَةِ الدَّاخِلَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ ".

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجِبُ لَهُ الْحُضُورُ وَإِنْ كَرِهَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَحْشَمَهُمْ حُضُورُهُ فَكَفُّوا وَأَقْصَرُوا وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ، وَمُحَمَّدَ بْنَ كعب القرطي دُعِيَا إِلَى وَلِيمَةٍ فَسَمِعَا مُنْكَرًا فَقَامَ مُحَمَّدٌ لِيَنْصَرِفَ فَجَذَبَهُ الْحَسَنُ، وَقَالَ: اجْلِسْ وَلَا يَمْنَعْكَ مَعْصِيَتُهُمْ مِنْ طَاعَتِكَ.

وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِمَا فِي الْوَلِيمَةِ مِنَ الْمَعَاصِي فَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ، وَلَا يَكُونُ خَوْفُهُ مِنْهَا عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ عَنْهَا لِجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ حَضَرَ وَكَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُشَاهِدُهَا وَلَا يَسْمَعُهَا أَقَامَ عَلَى حُضُورِهِ، وَلَمْ يَنْصَرِفْ وَإِنْ سَمِعَهَا وَلَمْ يُشَاهِدْهَا لَمْ يَتَعَمَّدِ السَّمَاعَ وَأَقَامَ عَلَى الْحُضُورِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَوْ سُمِعَ فِي مَنْزِلِهِ معاصٍ مِنْ دَارِ غَيْرِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الِانْتِقَالُ عَنْ مَنْزِلِهِ كَذَلِكَ هَذَا، وَإِنْ شَاهَدَهَا جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الْحُضُورُ إِنْ لَمْ تُرْفَعْ وَفِي جَوَازِ إِقَامَتِهِ مَعَ حُضُورِهَا إِذَا صَرَفَ طَرَفَهُ عنها مما ذكرنا من الوجهين.

[مسألة]

قال الشافعي: " فَإِنْ رَأَى صُوَرًا ذَاتَ أرواحٍ لَمْ يَدْخُلْ إِنْ كَانَتْ مَنْصُوبَةً وَإِنْ كَانَتْ تُوطَأُ فَلَا بَأْسَ فَإِنْ كَانَ صُوَرُ الشَجَرِ فَلَا بَأْسَ وأحب أن يجيب أخاه وبلغنا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ وَلَوْ دُعِيتُ إلى كراعٍ لأجبت ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَإِذَا كَانَ فِي الْوَلِيمَةِ صُوَرٌ فَهِيَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ صُوَرُ شَجَرٍ وَنَبَاتٍ، وَمَا لَيْسَ بِذِي رُوحٍ فَلَا تَحْرُمُ، لِأَنَّهَا كَالنُّقُوشِ الَّتِي تُرَادُ لِلزِّينَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ عَلَى مُسْدَلٍ مِنْ بُسُطٍ وَوَسَائِدَ أَوْ كَانَتْ عَلَى مُصَانٍ مِنْ سَتْرٍ أَوْ جِدَارٍ وَلَا يَعْتَذِرُ بِهَا الْمَدْعُوُّ فِي التَّأَخُّرِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ صُوَرَ ذَاتِ أَرْوَاحٍ مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وَصَانِعُهَا عاصٍ لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لعن المصور، وقال: " يؤتي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ انْفُخْ فِيهِ الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهِ أَبَدًا ".

وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) {الأحزاب: ٥٧) أَنَّهُمْ أَصْحَابُ التَّصَاوِيرِ وَإِذًا عَمَلُهَا مُحَرَّمٌ عَلَى صَانِعِهَا فَالْكَلَامُ فِي تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِهَا وَإِبَاحَتِهِ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الِاسْتِعْمَالِ، فَإِنْ كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>