للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُخْبِرَ بِذَلِكَ أَحَدًا مِنْ نِسَائِهِ فَأَخْبَرَتْ بِهِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - لِمُصَافَاةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمَا فَتَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {يَأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ) {التحريم: ١) . فَإِنْ أَطَالَ الْمُقَامَ عِنْدَ غَيْرِهَا فِي نَهَارِ قَسْمِهَا أَوْ وَطِئَ فِيهِ غَيْرَهَا لَمْ يَقْضِ مُدَّةَ مُقَامِهِ، وَإِنْ شَاءَ، لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالنَّهَارِ مِنْهَا، لِأَنَّهُ زَمَانُ التَّصَرُّفِ دُونَ الْإِيوَاءِ فَلَمْ يَقْضِهِ.

فَأَمَّا اللَّيْلُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهَا فِيهِ إِلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ، سَوَاءٌ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى زَوْجَتِهِ أَوْ غَيْرِ زَوْجَتِهِ، لِأَنَّهُ مَقْصُودُ الْقَسْمِ فَلَمْ يَجُزْ أن يفوته عليها، فإن دعته الضرورة إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا فَخَرَجَ لَمْ يَأْثَمْ وَنُظِرَ فِي مُدَّةِ الْخُرُوجِ، فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يَقْضِي مِثْلَهُ كَانَ عَفْوًا، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا يَقْضِي مِثْلَهُ، كَأَنْ خَرَجَ نِصْفَ اللَّيْلِ أَوْ ثُلُثَهُ قَضَاهَا زَمَانَ خُرُوجِهِ لِيُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي مُدَّةِ الْخُرُوجِ الَّذِي يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ، فَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ عَرَضَتْ لَهُ عِنْدَ غَيْرِ زَوْجَةٍ قَضَاهَا ذَلِكَ الزَّمَانَ لَا مِنْ زَمَانِ واحدةٍ مِنْ نِسَائِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَ فِيهِ إِلَى غَيْرِهَا مِنْ نِسَائِهِ لِمَرَضٍ خَافَ عَلَيْهَا مِنْهُ فَإِنْ مَاتَتْ سَقَطَ قَسْمُهَا، وَقَضَى صَاحِبَةَ الْقَسْمِ مَا فَوَّتَهُ عَلَيْهَا مِنْ لَيْلَتِهَا وَإِنْ لَمْ تَمُتْ قَضَى صَاحِبَةَ الْقَسْمِ مِنْ لَيْلَةِ الْمَرِيضَةِ مَا فَوَّتَهُ عَلَيْهَا مِنْ لَيْلَتِهَا، فَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَيَعُودُهَا فِي مَرَضِهَا لَيْلَةَ غَيْرِهَا فَقَدْ كَانَ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ يَنْسِبُ الْمُزَنِيَّ إِلَى الْخَطَأِ فِي هَذَا النَّقْلِ، وَيَقُولُ: إِنَّ الشَّافِعِيَّ إِنَّمَا قَالَ: وَيَعُودُهَا فِي مَرَضِهَا فِي نَهَارِ غَيْرِهَا، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ فَاسِدٌ، وَنَقْلُ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعُودَهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا إِذَا كَانَ مَرَضُهَا مَخُوفًا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَعَجَّلَ مَوْتُهَا قَبْلَ النَّهَارِ فَفَاتَهُ حُضُورُهَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ مَرَضُهَا مَأْمُونًا لَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَادَتُهَا فِي اللَّيْلِ حَتَّى يُصْبِحَ فَيَعُودُهَا نَهَارًا وَإِنَّمَا قَضَاءُ زَمَانِ الْخُرُوجِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْذُورًا، لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ لَا تَسْقُطُ بِالْأَعْذَارِ فَلَوْ خَرَجَ فِي لَيْلَتِهَا إِلَى غَيْرِهَا فَوَطِئَهَا ثُمَّ عَادَ إِلَيْهَا فِي الْحَالِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: لَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُ لِقُصُورِهِ عَنْ زَمَانِ الْقَضَاءِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزُمُهُ قَضَاءُ لَيْلَةٍ بِكَمَالِهَا، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقَسْمِ فِي اللَّيْلِ هُوَ الْوَطْءُ فَإِذَا وَطِئَ فِيهِ غَيْرَهَا، فَكَأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهَا جَمِيعَ اللَّيْلَةِ فَلِذَلِكَ لَزِمَهُ قَضَاءُ جَمِيعِهَا مِنْ لَيْلَةِ الْمَوْطُوءَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ عَلَيْهِ فِي لَيْلَةِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ عِنْدِهَا إِلَى هَذِهِ فَيَطَأَهَا ثُمَّ يَعُودَ إِلَى تِلْكَ لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي فِعْلِهِ، وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ صَحِيحٌ وَفِي الْوَطْءِ فَاسِدٌ لِاسْتِحْقَاقِ الزَّمَانِ دُونَ الْوَطْءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>