للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنَ التَّابِعِينَ عِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ.

وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى: {الطَّلاقُ مرتان} إِلَى قَوْلِهِ: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة ٢٢٩] ثُمَّ قَالَ: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] .

وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَصَارَ مَعَ الطَّلْقَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ ثَلَاثًا، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَلَمَّا قَالَ بَعْدَهُ: فَإِنْ طَلَّقَهَا يَعْنِي الثَّالِثَةَ فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا الثَّالِثَةَ، وَصَارَ التَّحْرِيمُ مُتَعَلِّقًا بِأَرْبَعٍ لَا بِثَلَاثٍ.

وَلِأَنَّ الْفُرْقَةَ فِي النِّكَاحِ تَكُونُ بِطَلَاقٍ وَفَسْخٍ، فَلَمَّا كَانَتِ الْفُرْقَةُ بِالطَّلَاقِ تَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْفُرْقَةُ بِالْفَسْخِ تَتَنَوَّعُ نَوْعَيْنِ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ، وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَإِذَا لَحِقَهُ الْفَسْخُ إِجْبَارًا جَازَ أَنْ يَلْحَقَهُ الْفَسْخُ اخْتِيَارًا كَالْبَيْعِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالطَّلَاقِ، أَنَّهُ لَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ الْفَسْخِ كَانَتْ مَعَهُ عَلَى ثَلَاثة وَلَوْ نَكَحَهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ كانت معه على اثنين، وَلَوْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا طَلْقَتَيْنِ ثُمَّ فَسَخَ حَلَّتْ لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ وَلَوْ طَلَّقَ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ، وَلَوْ فَسَخَ نِكَاحَهَا فِي ثَلَاثَةِ عُقُودٍ حَلَّتْ بِهِ قَبْلَ زَوْجٍ وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي ثَلَاثَةِ عُقُودٍ لَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ فَهَذَا أَصَحُّ مَا عِنْدَنَا مِنْ تَرْتِيبِ الْمَذْهَبِ فِي حُكْمِ الْخُلْعِ، وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَتَّبَهُ غَيْرَ هَذَا التَّرْتِيبِ فَجَعَلَ فِي لَفْظِ الْخُلْعِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ فَسْخٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَلَاقٌ، وَهَلْ يَكُونُ طَلَاقًا صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ خَرَّجَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ فَسْخٌ وَالثَّانِي طَلَاقٌ صَرِيحٌ وَالثَّالِثُ كِنَايَةٌ في الطلاق.

[(مسألة:)]

(قال المزني) رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَإِذَا كَانَ الْفِرَاقُ عَنْ تَرَاضٍ وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِالزَّوْجِ وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ لَيْسَ فِي أَصْلِهِ عِلَّةٌ فَالْقِيَاسُ عِنْدِي أَنَّهُ طَلَاقٌ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا الْفَصْلُ أَوْرَدَهُ الْمُزَنِيُّ مُرِيدًا بِهِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْخُلْعَ يَصِحُّ عِنْدَ سُلْطَانٍ وَغَيْرِ سُلْطَانٍ إِذَا تَرَاضَيَا بِهِ الزَّوْجَانِ. وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأُمِّ وَلَيْسَ حُضُورُ السُّلْطَانِ وَلَا إِذْنُهُ شَرْطًا فِيه وَهُوَ قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>