للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إنَّ الطَّلَاقَ يَنْعَقِدُ قَبْلَ النِّكَاحِ فِي الْخُصُوصِ وَالْأَعْيَانِ وَلَا يَنْعَقِدُ فِي الْعُمُومِ إِذَا قَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحَرِّمًا لِمَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ النِّكَاحِ، وَلَا يَصِيرُ الْخُصُوصُ وَالْأَعْيَانُ مُحَرِّمًا لِلنِّكَاحِ، لِأَنَّهُ قَدْ يستبح نِكَاحَ مَنْ لَمْ يُحَصِّنْهَا وَيَعْنِيهَا وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ.

قَالَ الرَّبِيعُ: وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْأَمَالِي وَحَكَى خِلَافَ النَّاسِ فِيهَا فَقُلْتُ فَمَا تَقُولُ أَنْتَ فِيهَا فَقَالَ أَنَا مُتَوَقِّفٌ.

وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَوْلٍ آخَرَ لِأَنَّهُ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَقَعُ.

وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَقْدِهِ قَبْلَ النِّكَاحِ، وَوُقُوعِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ بِأَنَّ الطَّلَاقَ يَصِحُّ بِالْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ فَصَحَّ عَقْدُهُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَإِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمِلْكِ كَالْوَصِيَّةِ وَالنَّذْرِ.

وَبَيَانُهُ أَنَّ الْغَرَرَ فِي الطَّلَاقِ أَنْ يَقُولَ: إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يَقْدُمُ وَقَدْ لَا يَقْدُمُ، وَالْجَهَالَةُ فِيهِ أَنْ يَقُولَ إِحْدَى نِسَائِي طَالِقٌ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالطَّلَاقِ مجهولة.

والغررفي الْوَصِيَّةِ أَنْ يُوصِيَ بِحَمْلٍ أَوْ نَاقَةٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ وَالْجَهَالَةُ فِيهَا أَنْ يُوصِيَ بِأَحَدِ عَبِيدِهِ ثُمَّ يَثْبُتُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْعَقِدُ فِي غَيْرِ مِلْكٍ وَهُوَ أَنْ يُوصِيَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ فَيَصِيرُ ذَا مَالٍ أَوْ يُوصِيَ بِعَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ عَبْدٌ، ثُمَّ يَمْلِكُ عَبْدًا وَكَذَلِكَ فِي النَّذْرِ وَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ.

قَالُوا: وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ مَبْنِيٌّ عَلَى السِّرَايَةِ فَصَحَّ عَقْدُهُ قَبْلَ الْمِلْكِ كَالْعِتْقِ إِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ: إِذَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ عَتَقَ عَلَيْهَا وَلَدَهَا إِذَا وَلَدَتْهُ بِمَا عَقَدَهُ قَبْلَ الْمِلْكِ كَذَلِكَ الطَّلَاقُ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثم طلقتموهن} فَشَرَطَ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ بَعْدَ النِّكَاحِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ النِّكَاحِ.

مِنَ السُّنَّةِ مَا رَوَاهُ جَابِرٌ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: (لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ) .

وَرَوَى جُوَيْبِرٌ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّزَّالِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: (لَا رضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ وَلَا وِصَالَ فِي صِيَامٍ وَلَا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ وَلَا صمْتَ يَوْمٍ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ) .

وَرَوَى مَطَرٌ الْوَرَّاقُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: (لَيْسَ عَلَى الرَّجُلِ طَلَاقٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا بَيْعٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا عِتْقٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>