للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقسم الثالث: أن لا يَذْكُرَ بَعْدَ الْقَدْرِ جِنْسًا وَلَا صِفَةً فَيَقُولَانِ عَلَي أَلْف وَلَا يَقُولَا مِنْ أَيِّ شَيْءٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَا قَدْ أَشَارَا إِلَى جِنْسٍ وَصِفَةٍ قَدْ تَقَرَّرَا بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْعَقْدِ، فَيُحْمَلَانِ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عِنْدَهُمَا وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ غَيْرِهِمَا فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ تَحَالَفَا عَلَى مَا مَضَى.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُشِيرَا بِذَلِكَ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الْأَجْنَاسِ فَهَذَا خلع فاسد يَقَعُ فِيهِ الطَّلَاقُ بَائِنًا وَيَسْتَحِقُّ فِيهِ الزَّوْجُ مَهْرَ الْمِثْلِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْقَدْرِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ جِنْسٍ مِنْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَثِيَابٍ وَعَبِيدٍ فَصَارَ الْعِوَضُ مَجْهُولًا فَبَطَلَ وَلَمْ يَبْطُلِ الْخُلْعُ، لِاسْتِهْلَاكِ الْبُضْعِ فِيهِ بِالطَّلَاقِ، فَأَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ عَنْ بَدَلٍ فَاسِدٍ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا حَمَلْتُمْ إطلاق الألف على الأغلب مما يتعامل به أهل البلد وهو الدراهم كما حملتم إطلاق الدراهم عَلَى الْأَغْلَبِ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ.

قِيلَ: لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُذْكَرِ الْجِنْسُ كَثُرَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ فَبَطَلَ، وَإِذَا ذُكِرَ الْجِنْسُ قَلَّتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ فَصَحَّ فَعَلَى هَذَا إِنِ اخْتَلَفَا فِي هَذَا الْقِسْمِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا إِطْلَاقَ الْأَلْفِ وَيَدَّعِيَ الْآخَرُ تَعْيِينَهَا بِذِكْرِ الْجِنْسِ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ، لِأَنَّ مُدَّعِي إِطْلَاقِ الْأَلْفِ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ، وَمُدَّعِي ذِكْرِ الْجِنْسِ يَدَّعِيهَا من ذلك الجنس فيتخالفان وَمُدَّعِي مِثْلِ هَذَا فِي الْبَيْعِ لَا يُوجِبُ التخالف، لِأَنَّ أَحَدَ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَوْ قَالَ: تَبَايَعْنَا هَذَا الْعَبْدَ بِأَلْفٍ لَمْ نُسَمِّهَا وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ بِأَلْفٍ سَمَّيْنَاهَا وَذَكَرَ جِنْسَهَا فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ أَنْكَرَ ذِكْرَ الْجِنْسِ لأنه يذكر فساد العقد والآخر يدعي صحته، وإذا اختلفا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَفَسَادِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى فَسَادَهُ دُونَ صِحَّتِهِ، لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلْعَقْدِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْخُلْعُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي صحيحه وفاسده فتخالفا عَلَى صَحِيحِهِ وَفَاسِدِهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَن لا يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا ذِكْرَ الْجِنْسِ وَلَكِنْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَرَدْنَاهُ بِقُلُوبِنَا وَيَقُولُ الَآخَرُ: لَمْ نُرِدْهُ، أَوْ يقول أحدهما: أردنا الدراهم، ويقول الآخر: أدرنا الدَّنَانِيرَ فَفِي جَوَازِ تَحَالُفِهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ضَمَائِرَ الْقُلُوبِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالْقَوْلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَتَحَالَفَا لأنه قد يكون بينهما من أمارات الأحوال مَا تَدُلُّ عَلَى ضَمَائِرِ الْقُلُوبِ كَالْأَحْوَالِ وَاللَّهُ أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (فَإِنْ قَالَتْ عَلَيَّ أَلْفٌ ضَمِنَهَا لَكَ غَيْرِي أَوْ عَلَى أَلْف فَلْسٍ وَأَنْكَرَ تَحَالَفَا وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) .

<<  <  ج: ص:  >  >>