للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: جَمَعَ الشَّافِعِيُّ هَا هُنَا بَيْنَ مَسْأَلَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ تَقُولَ الزَّوْجَةُ خَالَعْتُكَ عَلَى أَلْفِ فَلْسٍ، وَيَقُولَ الزَّوْجُ: بَلْ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى الْخُلْعِ، وَاخْتَلَفَا فِي الْعِوَضِ، فَيَتَحَالَفَانِ وَيَقَعُ طَلَاقُهُ بَائِنًا، وَيُحْكَمُ لَهُ عَلَيْهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، عَلَى مَا مَضَى.

وَمَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ تَحَالُفِهِمَا فِيهَا صَحِيحٌ.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فَهُوَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ: خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيْكِ، فَتَقُولُ: خَالَعْتَنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ ضَمِنَهَا لَكَ غَيْرِي فَهَذَا ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ تَقُولَ الزَّوْجَةُ قَدْ خَالَعْتُكَ عَلَيْهَا لَكِنْ ضَمِنَهَا لَكِ فُلَانٌ عَنِّي فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الضَّمَانَ زِيَادَةُ وَثِيقَةٍ لَا تَبْرَأُ بِهِ الْمَضْمُونَ عَنْهُ، وَلَهُ مُطَالَبَتُهَا بِالْأَلْفِ لِأَنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ الضَّمَانُ مَانِعًا مِنْ مُطَالَبَتِهِ فهذا القسم مما لا تخالف فِيهِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَقُولَ: خَالَعْتَنِي عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ لِي فِي ذِمَّةِ غَيْرِي، وَيَقُولُ الزَّوْجُ: بَلْ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي ذِمَّتِكِ فَقَدِ اتَّفَقَا فِي هَذَا الْقِسْمِ عَلَى الْخُلْعِ وَاخْتَلَفَا فِي الْأَلْفِ، فَالزَّوْجُ يَدَّعِي أَنَّهَا ألف في ذمتها والزوجة تتدعي أَنَّهَا أَلْفٌ فِي ذِمَّةِ غَيْرِهَا، وَمَا فِي ذِمَّتِهَا غَيْرُ مَا فِي ذِمَّةِ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ جَمِيعًا فِي مِلْكِهَا فَصَارَ ذَلِكَ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي الْعِوَضِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ: خَالَعْتُكِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، فَتَقُولُ الزَّوْجَةُ: بَلْ خَالَعْتَنِي عَلَى هَذَا العبد الآخر فيتحالفان كذلك ها هنا، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الذِّمَّتَيْنِ كَاخْتِلَافِ الْعَبْدَيْنِ وَيَكُونُ لَهُ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي ذِمَّتِهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الشَّافِعِيُّ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ خَالَعْتُكِ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَقُولَ الزَّوْجَةُ بَلْ خَالَعَكَ فُلَانٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَيْهِ دُونِي، فَهَذِهِ مِثْلُ أَنْ تَكُونَ قَدْ خَالَعَتْهُ بِشَيْءٍ وَمُقِرَّةً بِغَيْرِهَا بِأَنَّهُ خَالَعَ الزَّوْجَ عَنْهَا فَلَا تَحَالُفَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ لِلْعَقْدِ، وَالتَّحَالُفُ إِنَّمَا يَكُونُ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِالْعَقْدِ وَالِاخْتِلَافِ فِي صِفَةٍ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا مَعَ يَمِينِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا عَلَى الْغَيْرِ بِأَنَّهُ خَالَعَ الزَّوْجَ عَنْهَا، ويقع طلاق الزوج بائنا لأنه مقراً بِأَنَّهَا بَانَتْ مِنْهُ بِأَلْفٍ قَدِ اسْتَحَقَّهَا. فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْأَلْفُ بِالْجُحُودِ فينبغي أن لا يَلْزَمَهُ الطَّلَاقُ بِالْإِقْرَارِ، كَمَا لَوِ ادَّعَى أَنَّهُ بَاعَ عَبْدَهُ عَلَى زَيْدٍ بِأَلْفٍ وَأَنْكَرَهُ زَيْدٌ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنِ الْعَبْدِ وَإِنِ اعْتَرَفَ بِبَيْعِهِ عَلَى زَيْدٍ، لِأَنَّ الثَّمَنَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ بِجُحُودِ زِيدٍ. قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَنْفَكُّ عَنِ الثَّمَنِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الثَّمَنُ لَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>