للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِهِ مَعِيبًا وَيَرْجِعَ بِأَرْشِهِ فَإِنْ قِيلَ؛ لَوْ رَدَّهُ رَجَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ دُونَ قِيمَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ ذَاكَ، وَإِنْ قِيلَ: يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَيْسَ له ذاك؛ لأن القدرة على الردة بِالْعَيْبِ تَمْنَعُ مِنَ الرُّجُوعِ بِالْأَرْشِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَهُ ذَاكَ؛ لِأَنَّ أَخْذَهُ مَعَ أَرْشِ عَيْنِهِ أَقْرَبُ مِنَ الرُّجُوعِ بِقِيمَتِهِ جَمِيعِهِ، وَخَالَفَ الْبَيْعَ الَّذِي لَا يُوجِبُ رَدُّهُ بِالْعَيْبِ اسْتِرْجَاعَ قِيمَتِهِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ مِلْكِهَا، لِأَنَّهُ عَبْدٌ لِغَيْرِهَا فَلَا تُطَلَّقُ بِدَفْعِهِ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَشْرُوطًا فِي مُعَاوَضَةٍ صَارَ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ شَرْطًا فِيهِ، وَمِنْ حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهَا فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي تَمْلِكِينَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَإِذَا دَفَعَتِ الْعَبْدَ، وَلَمْ تَكُنْ مَالِكَةً لَهُ فُقِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِي مِلْكِهَا لَكِنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِنْهُ بِحَقِّ الرَّهْنِ فَلَا يَصِحُّ بِهِ الْخُلْعُ، وَلَا يَقَعُ بِدَفْعِهِ الطَّلَاقُ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ، وَأَنَّ الْمَرْهُونَ لَا يُمْلَكُ قَبْلَ فِكَاكِهِ بِالْمُعَاوَضَةِ فَصَارَ كَغَيْرِ الْمَمْلُوكِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مَمْنُوعَةً مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْغَصْبِ وَالْإِبَاقِ فَفِي صِحَّةِ الْخُلْعِ بِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ إنَّ الْخُلْعَ عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ بَيْعَهُ لَا يَصِحُّ فَجَرَى مَجْرَى الْمَرْهُونِ، فَعَلَى هَذَا، إِنْ أَعْطَتْهُ إِيَّاهُ لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَنَّ تَمَلُّكَهُ بِالْعَطِيَّةِ كَالْمَشْرُوطِ فِي الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْخُلْعَ عَلَيْهِ جَائِزٌ، لِأَنَّ الْيَدَ الْغَاصِبَةَ يُسْتَحَقُّ رَفْعُهَا، فَقَصُرَتْ عَنْ حُكْمِ الْيَدِ الْمُرْتَهِنَةِ الَّتِي لَا يُسْتَحَقُّ رَفْعُهَا، فَعَلَى هَذَا إِنْ أَعْطَتْهُ إِيَّاهُ طُلِّقَتْ؛ لِأَنَّهُ قَدِ ارْتَفَعَتْ بِهِ يَدُ الْغَصْبِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتُطَلَّقُ بِالْعَبْدِ الْمَغْصُوبِ وَبَيْنَ إِنْ أَعْطَيْتِنِي هَذَا الْعَبْدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَكُونُ مَغْصُوبًا فَلَا تُطَلَّقُ، هُوَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ مُطْلَقًا لَمْ يُمْلَكْ بِالدَّفْعِ فَغَلَبَ فِيهِ حُكْمُ الْعِتْقِ بِالصِّفَةِ، وَإِذَا كَانَ مُعَيَّنًا مُلِكَ بِالدَّفْعِ فَغَلَبَ فِيهِ حُكْمُ الْمُعَاوَضَةِ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا إِذَا خَالَعَهَا عَلَى حَمْلِ جَارِيَتِهَا أَوْ عَلَى مَا فِي جَوْفِهَا، فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَسَوَاءٌ وَضَعَتْ وَلَدًا أَوْ لَمْ تَضَعْ، وَالطَّلَاقُ يَقَعُ بَائِنًا، وَلَهُ عَلَيْهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الْخُلْعُ صَحِيحٌ فَإِنْ وَضَعَتْ وَلَدًا كَانَ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ لَمْ تَضَعْ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ لِلزَّوْجِ اعْتِبَارًا بِالْوَصِيَّةِ أَنَّهَا تَصِحُّ بِالْحَمْلِ فَكَذَلِكَ الْخُلْعُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>