للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالْمَهْرِ الَّذِي دَفَعَهُ إِلَيْهَا فِي النِّكَاحِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْمَعْنَى فِي الْأَصْلِ أَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَرْضَ بِخُرُوجِ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِهِ بِغَيْرِ بَدَلٍ، لِأَنَّهُ ظَنَّهُ عَصِيرًا، فَجَازَ أَنْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ الْبَدَلَ وَفِي الْفَرْعِ قَدْ عَلِمَهُ خَمْرًا فَرْضِيَ بِخُرُوجِ الْبُضْعِ بِغَيْرِ بَدَلٍ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ الْبَدَلَ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ مُنْتَقَضٌ بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ بِرَجُلٍ عَلَى خَمْرٍ كَانَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ، وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ خَمْرٌ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَتْهُ عَلَى عَصِيرٍ فَكَانَ خَمْرًا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فَكَذَلِكَ فِي الْخُلْعِ.

وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا فَنَقُولُ: لِأَنَّهُ بُضْعٌ مُلِكَ بِخَمْرٍ لَا يُمْلَكُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَالنِّكَاحِ.

فَإِنْ قِيلَ الْبُضْعُ مُقَوَّمٌ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ وَغَيْرُ مُقَوَّمٍ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِأَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ لَكَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهَا دُونَ الزَّوْجِ.

قِيلَ لِأَنَّ هَذَا الوطئ مَا حَرَّمَهَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِرِ الْبُضْعُ مُسْتَهْلَكًا عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُضْمَنْ فِي حَقِّهِ وَلَوْ حَرَّمَهَا عَلَيْهِ وَطَئِهَا أَبُوهُ أَوِ ابْنُهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلَكًا عَلَيْهِ وَلَكَ تَحْرِيرُ هَذَا قِيَاسًا ثَالِثًا فَتَقُولُ: مَا تَقَوَّمَ فِي انْتِقَالِهِ إِلَيْهِ بِبَدَلٍ تَقَوَّمَ فِي انْتِقَالِهِ عَنْهُ بِذَلِكَ الْبَدَلِ كَالْمُثَمَّنَاتِ يَسْتَوِي فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْمُسَمَّى فِي الْجِهَتَيْنِ إِذَا صَحَّ وَفِي الْقِيمَةِ إِذَا فَسَدَ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ خُلْعَهَا بِالْخَمْرِ الَّذِي لَا يَكُونُ عِوَضًا رَضِيَ مِنْهُ بِخُلْعِهَا عَلَى غَيْرِ عِوَضٍ، فَهُوَ أَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ الْعِوَضَ الْفَاسِدَ كَمَا لا يَمْلِكُ الْخَمْرَ فَلَمَّا وَجَبَ لَهُ فِي الْعِوَضِ الْفَاسِدِ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ عِلْمِهِ وَجَهْلِهِ وَجَبَ لَهُ فِي الْخَمْرِ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ عِلْمِهِ وجهله.

وأما استدلاله بأنها الْبُضْعَ لَا يُقَوَّمُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِإِمْضَاءِ طَلَاقِهِ فِي الْمَرَضِ فَفَاسِدٌ بِتَقْوِيمِهِ فِي حَقِّهِ إِذَا خَالَعَ عَلَى عِوَضٍ فَاسِدٍ، وَإِنَّ مَا لَمْ يُقَوَّمْ فِي حُقُوقِ الْوَرَثَةِ إِذَا طَلَّقَ فِي الْمَرَضِ وَإِنْ قُوِّمَ عِتْقُهُ وَهِبَاتُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ الزَّوْجَةَ لَوْ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَيَرِثُونَ الأعيان التي وهبها وأعتقها. وأما استدلاله بأنها لو قتلت نفسها لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا. فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْأَطْرَافَ تَدْخُلُ فِي حُكْمِ النَّفْسِ، لِأَنَّ مَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ دَخَلَتْ دِيَةُ يَدِهِ فِي دِيَةِ نَفْسِهِ، وَالْبُضْعُ كَالطَّرَفِ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِهِ تَلَفُ النَّفْسِ دَخَلَ فِي حُكْمِهِ، وَهُوَ لَاحِقٌ بِهِ فِي دِيَةِ النَّفْسِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقٌّ فِي قِيمَةِ الْبُضْعِ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ مُقَوَّمَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>