للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ الْأَبُ: طَلِّقْهَا عَلَى أَنَّكَ برئ مِنْ صَدَاقِهَا، فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى هَذَا لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ، لِأَنَّهُ أَوْقَعَهُ مُقَيَّدًا فَإِذَا لَمْ يَبْرَأْ لَمْ يَقَعْ.

وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَقُولَ الْأَبُ: طَلِّقْهَا عَلَى صَدَاقِهَا عَلَى أَنَّنِي ضَامِنُهُ لَكَ فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو صَدَاقُهَا مِنْ أَنْ يَكُونَ عَيْنًا أَوْ فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِتَمَلُّكِ تِلْكَ الْعَيْنِ، وَهِيَ لَا تُمَلَّكُ بِضَمَانِ الْأَبِ فَلَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الذِّمَّةِ وَقَعَ الطَّلَاقُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنَ الصَّدَاقِ، وَالْأَبُ قَدْ يَقْدِرُ عَلَى إِبْرَائِهِ مِنْهُ بِالْغُرْمِ عَنْهُ، لَكِنْ يَكُونُ بِالْخُلْعِ فَاسِدًا، لِأَنَّهُ لَيْسَ يَبْرَأُ بِهَذَا الْقَوْلِ، وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ ضَمَانُ الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهَا، لَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهُ عَنْهَا، لِأَنَّ الضَّمَانَ يَصِحُّ فِيمَا كَانَ مَضْمُونَ الْأَصْلِ فَيَقُومُ الضَّامِنُ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ مَقَامَ الْمَضْمُونِ عَنْهُ، وَإِذَا لَمْ يَلْزَمِ الْأَبَ ذَلِكَ الضَّمَانُ فَقَدْ خَالَعَ الزَّوْجَ عَلَى مَا قَدْ فَسَدَ فِيهِ الْخُلْعُ فَلَزِمَهُ الْبَدَلُ وَفِيمَا يَلْزَمُهُ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ خُولِعَ عَلَى فَائِتٍ:

أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: يَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ.

وَالثَّانِي: مِثْلُ تِلْكَ الْأَلْفِ فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ تَخْتَلِفُ أَجْوِبَتُهَا لِاخْتِلَافِ معانيها.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ أَخَذَ مِنْهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا إِلَى شَهْرٍ فَطَلَّقَهَا فَالطَّلَاقُ ثَابِتٌ وَلَهَا الْأَلْفُ وَعَلَيْهَا مَهْرُ مِثْلِهَا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَأْوِيلِهِ وَيَتَضَمَّنُ أَرْبَعَ مَسَائِلَ تَسْتَوْفِي جَمِيعَ تَأْوِيلَاتِهِ:

إِحْدَاهُنَّ: أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَلْفًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ، فَهَذَا خُلْعٌ فَاسِدٌ لِمَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَلَمٌ فِي طَلَاقٍ وَالسَّلَمُ فِيهِ لَا يَصِحُّ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ عُقِدَ عَلَى غَيْرِ شَرْطٍ فِيهِ التَّأْخِيرُ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، فَإِذَا فَعَلَ هَذَا وَطَلَّقَهَا بَعْدَ شَهْرٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ رَدِّ الْأَلْفِ عَلَيْهَا بَعْدَ التَّنَازُعِ وَفَسَادِ الْخُلْعِ، وَالْحُكْمُ يَرُدُّ الْأَلْفَ فَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، وَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِرَدِّ الْأَلْفِ يَرْفَعُ حُكْمَ الْعَقْدِ فَصَارَ كَالْمُطَلِّقِ بِغَيْرِ عقد.

والضرب الثاني: أن لا يسترجعَ مِنْهُ الْأَلْفُ، وَلَا يقضي عَلَيْهِ بِرَدِّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا فَيُنَظَرُ فِي زَمَانِ طَلَاقِهِ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ فَهُوَ طَلَاقٌ فِي غَيْرِ خُلْعٍ، لِأَنَّ عَقْدَ الْخُلْعِ كَانَ عَلَى إِيقَاعِ الطَّلَاقِ فِيهِ بَعْدَ شَهْرٍ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ رَجْعِيًّا لَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ عِوَضٌ، وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ، فَهُوَ طَلَاقٌ فِي خُلْعٍ فَاسِدٍ، فَيَكُونُ الطَّلَاقُ بَائِنًا لَا رجعة فيه،

<<  <  ج: ص:  >  >>