للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي مِقْدَارِ عِوَضِ مِلْكٍ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ مُوجِبًا لِتَحَالُفِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِيهِ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ قَدْ صَارَ بِالِاخْتِلَافِ مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ، فَلَمْ تَكُنِ الْيَمِينُ فِي جَنَبَةِ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْهَا فِي جَنَبَةِ الْآخَرِ، فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْيَمِينِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِنْكَارِ.

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مِلْكِ الْبُضْعِ وَالِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْعِوَضِ فَهُوَ فَاسِدٌ بِاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ فَإِنَّهُمَا قَدِ اتَّفَقَا فِيهِ عَلَى مِلْكِ الزَّوْجِ لَهُ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ لَهُ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ، وَهُمَا يَتَحَالَفَانِ فِيهِ، وَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الزَّوْجِ اعْتِبَارًا بِهَذَا الْمَعْنَى فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ كَذَلِكَ فِي الْخُلْعِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ مَعَ اخْتِلَافٍ لم يخل اختلافهما من ثلاثة أقسام:

أحدهما: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي الْعِوَضِ وَيَتَّفِقَا فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَاخْتِلَافُهُمَا فِي الْعِوَضِ قَدْ يَكُونُ تَارَةً فِي الْجِنْسِ كَقَوْلِ الزَّوْجِ: خَالَعْتُكِ عَلَى مِائَةِ دِينَارٍ، وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ: عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ.

وَيَكُونُ تَارَةً فِي الْمِقْدَارِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ: عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ: عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ.

وَيَكُونُ تَارَةً فِي الصِّفَةِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ: عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ بِيضٍ، وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ: عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ سُودٍ.

وَيَكُونُ تَارَةً فِي الْأَجَلِ فَيَقُولُ الزَّوْجُ: عَلَى أَلْف حَالَّةٍ، وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ عَلَى أَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ، أَوْ يَقُولُ الزَّوْجُ عَلَى أَلْفٍ إِلَى شَهْرٍ، وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ: عَلَى أَلْفٍ إِلَى شَهْرَيْنِ.

فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ فِي هَذَا الِاخْتِلَافِ كُلِّهِ إِذَا عَدِمَا الْبَيِّنَةَ فِيهِمْ وَالْبَيِّنَةُ شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ، لِأَنَّهَا لِإِثْبَاتِ مَالٍ مَحْضٍ، فَإِذَا تَحَالَفَا مَعَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَهُوَ كَتَحَالُفِهِمَا فِي اخْتِلَافِهِمَا فِي الْمَبِيعِ، وَكَاخْتِلَافِهِمَا فِي الصَّدَاقِ، فَيَكُونُ صِفَةُ التَّحَالُفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ، فَإِذَا تَحَالَفَا فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَهُوَ لَا يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِ التَّحَالُفِ، فَيَصِيرُ كَتَحَالُفِهِمَا فِي الْبَيْعِ بَعْدَ تَلَفِ الْمَبِيعِ الْمُوجِبِ لِلرُّجُوعِ بِقِيمَةِ المبيع، كذلك هاهنا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِقِيمَةِ الْبُضْعِ، وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ قَوْلًا وَاحِدًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِمَّا أَقَرَّتْ بِهِ الزَّوْجَةُ أَوْ أَكَثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ الزَّوْجُ، لِأَنَّهُ قِيمَةُ مُتْلَفٍ قَدْ سَقَطَ مَعَهُ الْمُسَمَّى، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْقِلَّةُ وَلَا الْكَثْرَةُ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَخْتَلِفَا فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَيَتَّفِقَا عَلَى مِقْدَارِ الْعِوَضِ.

فَيَقُولُ الزَّوْجُ: خَالَعْتُكِ عَلَى طَلْقَةٍ بِأَلْفٍ، وَتَقُولُ الزَّوْجَةُ: خَالَعْتُكَ على ثلاث

<<  <  ج: ص:  >  >>