للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب الخلع في المرض من كتاب نشوز الرجل على المرأة)]

[(مسألة:)]

قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَيَجُوزُ الْخُلْعُ فِي الْمَرَضِ كَمَا يَجُوزُ الْبَيْعُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمَرِيضَ فَخَالَعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِهَا ثُمَّ مَاتَ فَجَائِزٌ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: الْخُلْعُ فِي الْمَرَضِ جَائِزٌ، كَالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَصَحَّ فِي الْمَرَضِ كَالْبَيْعِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرِيضَ يصح طلاقه بغير بدل، فصح بالبدل كَالصَّحِيحِ، فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُهُ فِي الْمَرَضِ، كَجَوَازِهِ فِي الصِّحَّةِ، فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ مَرِيضًا صَحَّ خُلْعُهُ سَوَاءٌ خَالَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ أَقَلَّ، لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ صَحَّ، فَإِذَا خَالَعَهَا بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا الْخُلْعُ كَالْبَيْعِ إِذَا خَالَعَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ أَنْ يَكُونَ مُحَابَاةً فِي الثُّلُثِ كَالْمُحَابَاةِ فِي الْبَيْعِ.

قِيلَ: لِأَنَّهُ لَوْ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنِ الْبُضْعِ بِالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ صَحَّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي الثُّلُثِ، فَإِذَا أَزَالَهُ بِقَلِيلِ الْبَدَلِ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ، وَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا فِي الثُّلُثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ بِالْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ بَدَلٍ كان معتبراً من فيه الثلث، فكذلك إذا حابا فِيهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى قَلِيلِ الْبَدَلِ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنَ الثُّلُثِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ كَانَ إِزَالَةُ الملك عن المال في المرض معتباراً مِنَ الثُّلُثِ، وَلَمْ يَكُنْ إِزَالَةُ الْمِلْكِ عَنِ الْبُضْعِ مُعْتَبَرًا مِنَ الثُّلُثِ.

قِيلَ: إِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الثُّلُثِ مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْوَرَثَةِ ومنتقلاً إليهم إرثاً بالموت، والمال منتقلاً إِلَيْهِمْ بِالْإِرْثِ فَكَانَ مُعْتَبَرًا فِي الثُّلُثِ، وَبُضْعُ الزَّوْجَةِ غَيْرُ مَوْرُوثٍ، وَلَا مُنْتَقِلٍ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِي الثُّلُثِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِهِ، كَانَ مِنْ ثُلُثِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مُنْتَقِلًا إِلَيْهِمْ بِمَوْتِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ فِي مَرَضِهِ كَانَتْ مِنْ أَصْلِ مَالِهِ لَا مِنْ ثُلُثِهِ؛ لِأَنَّهَا مُنْتَقِلَة إِلَيْهِمْ بِمَوْتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>