للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ مَا شَاءَ، ثُمَّ إِنْ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ، فَغَضِبَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ لَهَا: لَا أَقْرَبُكِ وَلَا تَخْلُصِينَ مِنِّي، قَالَتْ لَهُ: وَكَيْفَ؟ قَالَ أُطَلِّقُكِ فَإِذَا دَنَا أَجَلُكِ رَاجَعْتُكِ. ثُمَّ أُطَلِّقُكِ فَإِذَا دَنَا أَجَلُكِ رَاجَعْتُكِ. قَالَ: فَشَكَتْ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فأنزل الله تعالى {الطلاق مرتان} الْآيَةَ.

فَقَدَّرَهُ بِالثَّلَاثِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُرْوَةُ نَزَلَ الطَّلَاقُ مُوَافِقًا لِطَلَاقِ الْأَعْشَى فِي تَقْدِيرِهِ بِالثَّلَاثِ حين يقول.

(أجارتنا بيني فإنك طالقه ... وموقومة مَا أَنْتِ فِينَا وَوَامِقَهْ)

(أَجَارَتَنَا بِينِي فَإِنَّكِ طَالِقَةْ ... كَذَاكَ أُمُورُ النَّاسِ تَغْدُو وَطَارِقَهْ)

(وَبِينِي فَإِنَّ الْبَيْنَ خَيْرٌ مِنَ الْعَصَا ... وإَلَّا تَزَالي فَوْقَ رَأْسِكِ بَارِقَهْ)

وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ بَيَانٌ لِسُنَّةِ الطَّلَاقِ أَنْ يُوقِعَ فِي كُلِّ قُرْءٍ واحدة وأن لا يَجْمَعَ بَيْنَهُنَّ فِي قُرْءٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ.

وَفِي قَوْلِهِ: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] تَأْوِيلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الَإِمْسَاكَ بِالْمَعْرُوفِ الرَّجْعَةُ بعد الثانية والتسريح بالإحسان الطلقة الثالثة.

وروى سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سُمَيْعٍ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال: الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ قال: إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ.

وَهُوَ قَوْلُ عطاء ومجاهد.

والتأويل الثاني: فإمساك بمعروف الرجعة بعد الثانية أو تسريح بإحسان هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ رَجْعَتِهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا.

وَهَذَا قَوْلُ السُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تنكح زوجاً غيره} وَقَالَ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٦] الْآيَةَ.

فَأَمَّا السُّنَّةُ: فَرَوَى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ أَحَدُكُمْ لِامْرَأَتِهِ قَدْ طَلَّقْتُكِ قَدْ رَاجَعْتُكِ لَيْسَ هَذَا طَلَاقُ الْمُسْلِمِينَ. تُطَلَّقُ الْمَرْأَةُ فِي قبل عدتها.

<<  <  ج: ص:  >  >>