للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فِي الطُّهْرِ وَطَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ لَمْ تُطَلَّقْ؛ لِأَجْلِ مُخَالَفَتِهِ وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ مخالفة الله تَعَالَى فِي وَقْتِ الطَّلَاقِ أَوْلَى أَنْ لَا تَقَعَ بِهَا طَلَاقٌ، وَهَذَا خَطَأٌ.

وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. أنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ يُمْسِكْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدُ وَإِنْ شَاءَ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ. فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ.

فَمَوْضِعُ الدليل منه انه أَمْرَهُ بِالرَّجْعَةِ مُوجِبٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الطَّلَاقِ.

فَإِنْ قِيلَ أَمْرُهُ بِالرَّجْعَةِ إِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِرَدِّهَا إِلَيْهِ. قُلْنَا: هَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أِنَّ الرَّجْعَةَ بَعْدَ ذِكْرِ الطَّلَاقِ تَنْصَرِفُ إِلَى رَجْعَةِ الطَّلَاقِ.

وَالثَّانِي: أِنَّهُ مَا ذَكَرَ إِخْرَاجَهَا فَيُؤْمَرُ بِرَدِّهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الطَّلَاقَ وَكَانَ مُنْصَرِفًا إِلَى رَجْعَتِهَا.

وَالثَّالِثُ: أِنَّ الْمُسْلِمِينَ جَعَلُوا طَلَاقَ ابْنِ عُمَرَ هَذَا أَصْلًا فِي طَلَاقِ الرَّجْعَةِ وَحُكْمِ الْعِدَّةِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَلَمْ يَتَأَوَّلُوا هَذَا التَّأْوِيلَ فَبَطَلَ بِالْإِجْمَاعِ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ طَلْقَةً وَأَرَدْتُ أَنْ أُتْبِعَهَا طَلْقَتَيْنِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: رَاجِعْهَا. قُلْتُ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا قَالَ كُنْتَ قَدْ أَبَنْتَ زَوْجَتَكَ وَعَصَيْتَ رَبَّكَ.

وَهَذَا نَصٌّ فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ الْمَعْلُولُ وَمِنَ الْقِيَاسِ أِنَّهُ طَلَاقُ مُكَلَّفٍ صَادَفَ مِلْكًا فَوَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ كَالطَّاهِرِ.

وَلِأَنَّ رَفْعَ الطَّلَاقِ تَخْفِيفٌ وَوُقُوعَهُ تَغْلِيظٌ، لِأَنَّ طَلَاقَ الْمَجْنُونِ لَا يَقَعُ تَخْفِيفًا وَطَلَاقَ السَّكْرَانِ يَقَعُ تَغْلِيظًا؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ بِعَاصٍ وَالسَّكْرَانَ عَاصٍ.

فَكَانَ الْمُطَلِّقُ فِي الْحَيْضِ أَوْلَى بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ تَغْلِيظًا مِنْ رَفْعِهِ عَنْهُ تَخْفِيفًا، وَلِأَنَّ النَّهْيَ إِذَا كَانَ لِمَعْنًى وَلَا يَعُودُ إِلَى الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لَمْ يَكُنِ النَّهْيُ مُوجِبًا لِفَسَادِ مَا نُهِيَ عَنْهُ، كَالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ عِنْدَ نِدَاءِ الْجُمُعَةِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>