للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ الثَّلَاثَ لَفْظٌ يَقْطَعُ الرَّجْعَةَ فَجَازَ إِيقَاعُهُ في طهر لاجماع فِيهِ كَالْوَاحِدَةِ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ أَوْ كَالْخُلْعِ.

فَأَمَّا الجواب عن قوله تعالى: {الطلاق مرتان} فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَإِنَّهُ ثَلَاثٌ وَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ اثْنَتَيْنِ وَلَا يَمْلِكُهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ تَفْرِيقَ الطَّلَاقِ أَوْ جَمْعَهُ.

وَالثَّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} يَقْتَضِي فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لَا فِي وَقْتَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: ٣١] يَعْنِي أَجْرَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. لَا فِي وَقْتَيْنِ. وَهُمْ يُحَرِّمُونَ وُقُوعَ الطَّلْقَتَيْنِ فِي وَقْتٍ كَمَا يُحَرِّمُونَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ. فَهُوَ أنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ إِلَّا وَاحِدَةً فِي الْحَيْضِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَوْ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا كُنْتَ قَدْ أَبَنْتَ امْرَأَتَكَ وَعَصَيْتَ رَبَّكَ. يَعْنِي بِإِيقَاعِهِنَّ فِي الْحَيْضِ لَا بِالْجَمْعِ بَيْنَهُنَّ.

وَأَمَّا أَمْرُهُ لَهُ فِي الْخَبَرِ الثَّانِي أَنْ يُطَلِّقَ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةً فَعَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ رَوَاهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ مَجْهُولُ الرَّاوِي.

وَالثَّانِي: أنَّ قَوْلَهُ: طَلَّقَهَا عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّهُ طَلَّقَهَا أَلْفًا وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إِلَّا ثَلَاثًا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ فَهُوَ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ بِمَنْ ذَكَرْنَا خِلَافَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ: أَمَّا ثَلَاثٌ فَتَحْرُمُ عَلَيْكَ امْرَأَتُكَ، وَبَقِيَّتُهُنَّ وِزْرًا اتَّخَذْتَ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى اللِّعَانِ فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أنَّ الْفُرْقَةَ لَا تَقَعُ عَلَى قَوْلِهِمْ بِاللِّعَانِ حَتَّى يُوقِعَهَا الْحَاكِمُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَصْلًا لِمَا يُوقِعُ الْفُرْقَةَ.

وَالثَّانِي: أنَّ عَدَدَ اللِّعَانِ لَا يَصِحُّ مَجْمُوعُهُ فَوَجَبَ تَفْرِيقُهُ. وَالطَّلَاقُ يَصِحُّ مَجْمُوعُهُ فَلَمْ يَجِبْ تَفْرِيقُهُ.

وَالثَّالِثُ: أِنَّهُ لَمَّا جَازَ عَدَدُ اللِّعَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ اقْتَضَى أَنْ يَجُوزَ عَدَدُ الطَّلَاقِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ مَنْ أَنْكَرَ وُقُوعَ الثَّلَاثِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ: فَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ. وَلَوْ سَلَّمْنَاهُ لَاحْتَمَلَ قَوْلُهُ. كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>