للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا: إِنَّ رِوَايَةَ نَافِعٍ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ، وَإِنَّمَا حَذَفَ سَالِمٌ وَيُونُسُ ذِكْرَ الطُّهْرِ الثَّانِي اخْتِصَارًا.

فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتْ رِوَايَةُ نَافِعٍ أَصَحَّ فَلِمَ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ وَهُمَا فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ.

قِيلَ: قَدْ أَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ هذا بأربعة أجوبة:

الأول: أِنَّهُ لَمَّا كَانَ طَلَاقُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْحَيْضِ مُوجِبًا لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا قَابَلَهُ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى طَرِيقِ الْعُقُوبَةِ لَهُ بِتَطْوِيلِ الرَّجْعَةِ إِلَى الطُّهْرِ الثَّانِي وَإِنْ جَازَتْ فِي الطُّهْرِ الْأَوَّلِ.

وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أِنَّهُ لَمَّا أَوْقَعَ ابْنُ عُمَرَ الطَّلَاقَ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ قَابَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِاسْتِدَامَةِ الرَّجْعَةِ بَعْدَ زَمَانِهَا.

وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ: أِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحَبَّ أَنْ تَتَحَقَّقَ رَجْعَتُهُ وَيَقْوَى حُكْمُهَا بِالْوَطْءِ فِيهَا. وَزَمَانُ الْوَطْءِ بَعْدَهَا هُوَ الطُّهْرُ الْأَوَّلُ. فَإِذَا وَطِئَ فِيهِ خَرَجَ إِيقَاعُ الطَّلَاقِ فِيهِ. وَكَانَ طَلَاقَ بِدْعَةٍ فَلِذَلِكَ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِيهِ، وَأَذِنَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِي الطُّهْرِ الثَّانِي.

وَالْجَوَابُ الرَّابِعُ: أِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحَبَّ أَنْ يَكْمُلَ الِاسْتِبْرَاءُ بَعْدَ الرَّجْعَةِ وَكَمَالُهُ يكون بطهر بعد حيضة كاملة.

وَالطُّهْرُ الْأَوَّلُ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ كَانَ فِي بُضَاعَتِهَا وَإِنَّمَا الطُّهْرُ الثَّانِي بَعْدَ حَيْضَةٍ كَامِلَةٍ فَلِذَلِكَ جَعَلَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ فِيهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: (وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَوْ دَخَلَ بِهَا وَكَانَتْ حَامِلًا أَوْ لَا تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ أَوِ الْبِدْعَةِ طُلِّقَتْ مَكَانَهَا لِأَنَّهَا لَا سُنَّةَ فِي طَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ النِّسَاءَ ضَرْبَانِ:

ضَرْبٌ لَا سُنَّةَ فِي طَلَاقِهِنَّ وَلَا بِدْعَةَ وَضَرْبٌ يَتَعَلَّقُ بِطَلَاقِهِنَّ حُكْمُ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ. فَأَمَّا اللَّاتِي لَا سُنَّةَ فِي طَلَاقِهِنَّ وَلَا بِدْعَةَ فَأَرْبَعٌ.

إِحْدَاهُنَّ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَمْ تَحِضْ. وَالثَّانِيَةُ الَّتِي قَدْ يَئِسَتْ مِنَ الْحَيْضِ. وَالثَّالِثَةُ الْحَامِلُ. وَالرَّابِعَةُ غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْمَعْنَى فِي أَنْ لَا سُنَّةَ فِي طَلَاقِهِنَّ وَلَا بِدْعَةَ مَعَ الْمُخْتَلِعَةِ الَّتِي وَإِنْ كَانَتْ بِالْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ، فَقَدْ صَرَفَ الْخُلْعُ طَلَاقَهَا عَنْ أَنْ تَكُونَ لِسُنَّةٍ أَوْ بدعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>