للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أِنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ وَتَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِهِ جَائِزٌ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: إِذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً أَيْ إِذَا حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا حَيْضَةً فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَالْكَلَامُ إِذَا كَانَ مَفْهُومَ الْمَعْنَى وأمكن حمله على الصحة. وإن كان وَجْهِ الْمَجَازِ لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى الْإِلْغَاءِ وَالْفَسَادِ، فَإِذَا حَاضَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حَيْضَةً كَامِلَةً طُلِّقَتْ طَلَاقَ السُّنَّةِ لِوُقُوعِهِ فِي أَوَّلِ الطُّهْرِ وَإِنْ حَاضَتْ إِحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا. وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: اخْتِلَافُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إِذَا وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَذَهَبَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَأَبُو يُوسُفَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُمَا لَا يَلْحَقُهُمَا بِالْوِلَادَةِ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَلَدَتْ إِحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُمَا وَإِنْ وَلَدَتَا مَعًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَلَدًا، فَلِذَلِكَ لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا بِوِلَادَتِهَا وَلَا بِوِلَادَتِهِمَا. وَذَهَبَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى أَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِهِمَا صَحِيحٌ وَالْمُرَادُ بِهِ وِلَادَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا وَلَدَتْ إِحْدَاهُمَا لَمْ تُطَلَّقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا، وَإِنْ وَلَدَتَا مَعًا طُلِّقَتَا.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَتِ اثْنَتَانِ فِي أَيِّ الْحَالَيْنِ كَانَتْ وَالْأُخْرَى إِذَا صَارَتْ فِي الْحَالِ الأخرى قلت أنا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِهِ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ بَعْضُهُنَّ يَحْتَمِلُ وَاحِدَةً فَلَا يَقَعُ غَيْرُهَا أَوِ اثْنَتَيْنِ فَلَا يَقَعُ غَيْرُهُمَا أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ فَيَقَعُ بِذَلِكَ ثَلَاثٌ فَلَمَّا كَانَ الشَكُّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ مَا أَرَادَ بِبَعْضِهِنَّ فِي الْحَالِ الْأُولَى إِلَّا وَاحِدَةً وَبَعْضُهُنَّ الْبَاقِي فِي الْحَالِ الثَّانِيَةِ فَالْأَقَلُّ يَقِينٌ وَمَا زَادَ شَكٌّ وَهُوَ لَا يَسْتَعْمِلُ الْحُكْمَ بِالشَكِّ فِي الطَّلَاقِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ؛ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا بَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضُهُنَّ لِلْبِدْعَةِ، فَالْبَعْضُ اسْمٌ مُبْهَمٌ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى أَقَلِّ الثَّلَاثِ وَعَلَى أَكْثَرِهَا، وَعَلَى الْعَدَدِ الصَّحِيحِ مِنْهَا وَالْمَكْسُورِ. فَإِذَا جَعَلَ بَعْضَ الثَّلَاثِ لِلسُّنَّةِ وَبَعْضَهَا لِلْبِدْعَةِ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أن يقدر بلفظه.

والثالث: أن يقدر بِنِيَّتِهِ، فَإِنْ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَدِّرْ بِلَفْظِهِ وَلَا بِنِيَّتِهِ اقْتَضَى إِطْلَاقَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْبَعْضِ وَأَنْ لَا يُفَضِّلَ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَارٍ لِرَجُلَيْنِ كَانَتْ بَيْنَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَفْضِيلٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ تَفْضِيلُ أَحَدِهِمَا بِالزِّيَادَةِ بِأَوْلَى مِنْ تَفْضِيلِ الْآخَرِ. فَلِذَلِكَ وَجَبَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا. وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْبَعْضَيْنِ طَلْقَةً وَنِصْفًا، فَيُجْعَلُ الْبَعْضُ الْوَاقِعُ فِي الْحَالِ طَلْقَةً وَنِصْفًا. وَالطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ بَلْ يَكْمُلُ فَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ فِي الْحَالِ طَلْقَتَانِ، فَإِنْ كَانَتِ الْحَالُ الْأُولَى حَالَ السُّنَّةِ، كَانَتِ الطَّلْقَتَانِ لِلسُّنَّةِ، ووقعت

<<  <  ج: ص:  >  >>