للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ مِنْهُ اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ.

وَالثَّانِي: يُقْبَلُ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّأْوِيلِ.

(فَصْلٌ:)

وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَشَدَّ الطَّلَاقِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ سُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ، لِأَنَّ أَشَدَّ الطَّلَاقِ تَعْجِيلُهُ وَتَكُونُ رَجْعِيَّةً، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أَطْوَلَ الطَّلَاقِ أَوْ أَعْرَضَ الطَّلَاقِ أَوْ أَقْصَرَ الطَّلَاقِ كَانَتْ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا طُولَ لَهُ وَلَا عَرْضَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَكْبَرَ الطَّلَاقِ أَوْ أَطْوَلَ الطَّلَاقِ أَوْ أَعْرَضَ الطَّلَاقِ أَوْ أَشَدَّ الطَّلَاقِ طُلِّقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً بَائِنَةً. وَوَافَقَ فِي الْأَقْصَرِ وَالْأَصْغَرِ أَنَّهَا تَكُونُ رَجْعِيَّةً. وَعِنْدَنَا لَا تَكُونُ الْوَاحِدَةُ بَائِنَةً بِحَالٍ إِلَّا فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَالْكَلَامُ معه يأتي.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً أَوْ جَمِيلَةً فَاحِشَةً طُلِّقَتْ حِينَ تَكَلَّمَ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا قَصَدَ الطَّلَاقَ بِصِفَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً، أَوْ جَمِيلَةً فَاحِشَةً، أَوْ ضَارَّةً نَافِعَةً، أَوْ سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً وَقَعَ طَلَاقُهَا فِي الْحَالِ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَالِ السُّنَّةِ أَوْ فِي حَالِ الْبِدْعَةِ. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَعْلِيلِ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّافِعِيِّ أنه وصفها بصفتين أحدهما صِفَةُ طَلَاقِ السُّنَّةِ وَالْأُخْرَى صِفَةُ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ، وهي في أحد الحالتين، فوقع الطلاق عليهما بِوُجُودِ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْعِلَّةُ فِيهِ أَنَّ تَقَابُلَ الصِّفَتَيْنِ أَوْجَبَ سُقُوطَهُمَا، لِأَجْلِ الْمُضَادَّةِ فِيهِمَا فَصَارَتِ الطَّلْقَةُ بِسُقُوطِ الصِّفَتَيْنِ مُطْلَقَةً، فَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِهَا فِي الْحَالِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ وَالسِّرِّ، وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا فِي الْحَالِ، لِأَنَّ طَلَاقَ الْحَرَجِ هُوَ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ فَصَارَ وَاصِفًا لَهَا بِصِفَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ فَيَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ مُعَجَّلًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنِ اخْتِلَافِ الْعِلَّتَيْنِ فَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالْحَرَجِ طَلَاقَ الثَّلَاثِ وَبِالسُّنَّةِ أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ طُهْرٍ وَاحِدَةٌ، فَهَذَا يَحْتَمِلُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا. وَهُوَ أَغْلَظُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَاحِدَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَتَقَعُ ظاهراً وباطناً على ما نوى.

ولو قال: أنت طالق ملئ مكة أو ملئ الحجاز أو ملئ الدُّنْيَا، طُلِّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يُرِدْ أَكْثَرَ مِنْهَا. لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَشْمَلُ مَحَلًّا، فَيَقَعُ فِي مكان دون مكان. ويكون معنى قوله: ملئ الدُّنْيَا أَيْ يَظْهَرُ ذِكْرُهَا فِي الدُّنْيَا، وَقَدْ ظَهَرَ فِيهَا ذِكْرُ الْوَاحِدَةِ كَظُهُورِ الثَّلَاثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>