للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْرِيمٌ، وَتَحْرِيمَ الزَّوْجَةِ مُوجِبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْهَا، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا لَهَا، قَالَ: وَلِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ كَانَ صَرِيحًا فِي تَحْرِيمِ الْحَرَائِرِ لَمْ يَكُنْ كِنَايَةً فِي عِتْقِ الْإِمَاءِ كَالظِّهَارِ، وَلِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ أَضْعَفُ حُكْمًا مِنْ لَفْظِ الْحُرِّيَّةِ، لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَالْحُرِّيَّةُ تُزِيلُ الْمِلْكَ عَنِ الرِّقِّ وَالِاسْتِمْتَاعِ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ الْحُرِّيَّةُ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ لِقُوَّتِهَا، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ كِنَايَةً فِي الْعِتْقِ لِضَعْفِهِ، كَالْبَيْعِ لَمَّا كَانَ أَقْوَى مِنَ الْإِجَارَةِ، جَازَ أَنْ تَنْعَقِدَ الْإِجَارَةُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ.

وَدَلِيلُنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِأَنَّ صَرِيحَ مَا يَجْرِي فِيهِ النِّيَّةُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، فِي مِثْلِهِ كَالْعِتْقِ فِي الطَّلَاقِ، وَلِأَنَّ كُلَّ لَفْظٍ صَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّلَاقِ، صَحَّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعِتْقِ، كَقَوْلِهِ: لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكِ، وَلِأَنَّ مَا صَحَّ وُقُوعُ الطَّلَاقِ بِهِ، صَحَّ وُقُوعُ الْحُرِّيَّةِ بِهِ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ، وَلِأَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ أوقى مِنْ كِنَايَتِهِ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْحُرِّيَّةُ بِكِنَايَةِ الطَّلَاقِ، فَأَوْلَى أَنْ تَقَعَ بِصَرِيحِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْحُرِّيَّةُ كِنَايَةً فِي طَلَاقِ الْحُرَّةِ، وَهِيَ صِفَتُهَا فِي حَالِ الزَّوْجِيَّةِ، فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الطَّلَاقُ كِنَايَةً فِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَلَيْسَ مِنْ صِفَتِهَا فِي حَالِ الرِّقِّ.

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الطَّلَاقِ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الرِّقِّ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ صَرِيحَ الطَّلَاقِ إِنَّمَا كَانَ كِنَايَةً فِي الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْإِطْلَاقَ مِنْ حَبْسِ الْعِتْقِ، لَا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ التَّحْرِيمِ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الظِّهَارِ، فَالظِّهَارُ عِنْدَنَا كِنَايَةٌ فِي الْعِتْقِ كَالطَّلَاقِ فَسَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ ثُمَّ لَوْ سُلِّمَ لَهُمْ هَذَا الْأَصْلُ - وَلَيْسَ بِمُسَلَّمٍ - لَكَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُزِيلٌ لِلْمِلْكِ مَعَ التَّحْرِيمِ، فَجَازَ أَنْ تَقَعَ بِهِ الْحُرِّيَّةُ، وَالظِّهَارُ مُخْتَصٌّ بِالتَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَزُولَ بِهِ الْمِلْكُ، فَلَمْ تَقَعْ بِهِ الْحُرِّيَّةُ. وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ أَضْعَفُ مِنْ لَفْظِ الْعِتَاقِ لِاخْتِصَاصِهِ بِإِزَالَةِ الِاسْتِمْتَاعِ عَنِ الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ، فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ وَإِنْ ضَعُفَ عَنْهُ فِي الْإِمَاءِ فَهُوَ أَقْوَى مِنْهُ فِي الْحَرَائِرِ، ثُمَّ لَا يُنْكَرُ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الْقُوَّةِ إِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهِ النِّيَّةُ كَمَا تُسَاوِيهِ كِنَايَةُ الطَّلَاقِ الَّتِي هِيَ أَضْعَفُ مِنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ / إِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهِ النِّيَّةُ، وَاسْتِشْهَادُهُمْ بِالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ، فَهُمْ لَا يُجَوِّزُونَ عَقْدَ الْإِجَارَةِ بِلَفْظِ، الْبَيْعِ كَمَا لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْبَيْعِ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ جَازَ عِنْدَنَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لَفْظَ الْبَيْعِ أَعَمُّ مِنْ لَفْظِ الْإِجَارَةِ، فَجَازَ أَنْ يُعْقَدَ الْأَخَصُّ بِاللَّفْظِ الْأَعَمِّ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْقَدَ الْأَعَمُّ باللفظ الأخص والله أعلم.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنًا كَانَتْ وَاحِدَةً يَمْلِكُ الَّرَجْعَةَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حكم في الواحدة والثنتين بالرجعة كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ وَلَا وَلَاءَ لِي

<<  <  ج: ص:  >  >>