للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(مسألة:)]

قال الشافعي: (وَلَوْ طَلَّقَ بِلِسَانِهِ وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَلَمْ يَكُنِ الِاسْتِثْنَاءُ إِلَّا بِلِسَانِهِ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الطَّلَاقِ عَلَى ثَلَاثَةِ أضرب:

أحدها: ما يصح مضمراً، مظهراً. وَالثَّانِي: مَا لَا يَصِحُّ مُضْمَرًا، وَلَا مُظْهَرًا.

وَالثَّالِثُ: مَا يَصِحُّ مُظْهَرًا وَلَا يَصِحُّ مُضْمَرًا.

فَأَمَّا مَا يَصِحُّ إِظْهَارُهُ وَإِضْمَارُهُ فَهُوَ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ، أَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ حَالًا لِلْمُطَلَّقَةِ، فَالَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِلطَّلَاقِ مِثْلَ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَثَاقٍ، أَوْ مُسَرَّحَةٌ إِلَى أَهْلِكِ، أَوْ مفارقة إلى المسجد فإن أظهره بلفظ صَحَّ وَحُمِلَ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ، لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صِفَاتِهِ، فِي غَيْرِ الطَّلَاقِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بِهِ الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ فِي لَفْظِهِ وَأَضْمَرَهُ فِي نِيَّتِهِ صَحَّ إِضْمَارُهُ، وَدِينَ فِيهِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ فِي الْبَاطِنِ، اعْتِبَارًا بِالْمُضْمَرِ، وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِي الظَّاهِرِ، اعْتِبَارًا بِالْمَظْهَرِ، وَأَمَّا الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَالًا لِلْمُطَلَّقَةِ فَمِثْلُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى رَأْسِ الشَّهْرِ، وَلَوْ دَخَلْتِ الدَّارَ، أَوْ إِنْ كَلَّمْتِ زَيْدًا، فَإِنْ أَظْهَرَ ذَلِكَ بِلَفْظِهِ عُمِلَ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ، وَلَمْ يَقَعْ عَلَيْهَا الطَّلَاقُ إِلَّا عَلَى الْحَالِ الَّتِي شَرَطَهَا، وَإِنْ أَضْمَرَهُ بِقَلْبِهِ، وَلَمْ يُظْهِرْهُ بِلَفْظِهِ دِينَ فِيهِ، وَفِي الْبَاطِنِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ إِلَّا بِذَلِكَ الشَّرْطِ، اعْتِبَارًا بِإِضْمَارِهِ وَلَزِمَهُ الطَّلَاقُ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ اعْتِبَارًا بِإِظْهَارِهِ، فَهَذَا ضَرْبٌ.

(فَصْلٌ:)

وَأَمَّا مَا لَا يَصِحُّ إِضْمَارُهُ، وَلَا إِظْهَارُهُ، فَهُوَ مَا كَانَ فِيهِ إِبْطَالُ مَا أَوْقَعَ وَنَفْيُ مَا أَثْبَتَ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْتِ، فَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلٌ فِي إِظْهَارِهِ بِاللَّفْظِ وَإِضْمَارِهِ بِالْقَلْبِ، لِأَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَمْنَعُ مِنْ رَفْعِهِ، لَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - (ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِتَاقُ) .

وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا حَيْثُ بَطَلَ وَبَيْنَ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ حَيْثُ صَحَّ: أَنَّ ذَاكَ صِفَةٌ مُحْتَمَلَةٌ وَحَالٌ مُمْكِنَةٌ، يَبْقَى مَعَهَا اللَّفْظُ عَلَى احْتِمَالٍ مُجَوَّزٍ، وَهَذَا رُجُوعٌ لَا يَحْتَمِلُ وَلَا يَجُوزُ، وَإِذَا بَطَلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ بِمَا عَلَّلْنَا، وَقَعَ الطَّلَاقُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ مَا يَصِحُّ إِظْهَارُهُ وَلَا يَصِحُّ إِضْمَارُهُ، فَهُوَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْعَدَدِ، أَوِ الشَّرْطُ الواقع بحكم الطلاق، فالاستثناء من الْعَدَدِ، أَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلَّا اثنتين والشرط الرافع لحكم الطلاق، أنت يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنْ أَظْهَرَهُ فِي لَفْظِهِ مُتَّصِلًا بِكَلَامِهِ صَحَّ، وَكَانَ مَحْمُولًا عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ، فَلَا يَلْزَمُهُ الطلاق إذا قال: إن شاء الله يقع عَلَيْهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>