للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّامِنُ: مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، أَنَّهُ يكون إيلاء، يؤجل فيه أربعة من أَشْهُرٍ، فَإِنْ وَطِئَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْ حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ طُلِّقَتْ طَلْقَةً بَائِنَةً، فَيَصِيرُ قَوْلُهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا يَمِينٌ، ثُمَّ يَزِيدُ عَلَيْهِ بِمَا يُعَلِّقُ عَلَيْهَا مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ، وَيَقُولُ إِنَّهُ لَوْ حَرَّمَ طَعَامَهُ أَوْ مَالَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَانَ يَمِينًا يَلْزَمُهُ بِهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، بِتَحْرِيمِ طَعَامِهِ وَمَالِهِ كَفَّارَةٌ.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ يَمِينٌ يُوجِبُ مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْإِيلَاءِ وَالْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، تَبْتَغِي مرضات أزواجك والله غفور رحيم، قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ١، ٢] . فَكَانَ اسْتِدْلَالًا بِذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَحَكَى عُرْوَةُ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّهُ حَرَّمَ الْعَسَلَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُهُ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقَالَتِ الْبَاقِيَاتُ: نَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْمَعَافِيرِ، وَالْمَعَافِيرُ صَمْغُ الْعُرْفُطِ، لِأَنَّ مِنَ النَّحْلِ مَا يَكُونُ يَرْعَاهُ، فَيَظْهَرُ فِيهِ رِيحُهُ، وَكَانَ يُكْرَهُ رِيحُهُ، فَحَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ كَفَّرَ.

وَحَكَى الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ، أَنَّهُ حَرَّمَ مَارِيَةَ عَلَى نَفْسِهِ، لأنه كان خلا بها في منزل د حَفْصَةَ، فَغَارَتْ فَحَرَّمَهَا ثُمَّ كَفَّرَ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي الْإِمَاءِ وَالطَّعَامِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ تَجِبُ فِي الْإِمَاءِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال: {قد فرض لكم تحلة أيمانكم} فَدَلَّ بِهَذَا النَّصِّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ عَلَى يَمِينٍ، وَبِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: (الْحَرَامُ يَمِينٌ تُكَفَّرُ) وَهَذَا نَصٌّ.

وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ فِي الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ، كَانَتْ يَمِينًا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي الطَّعَامِ وَالْمَالِ كَالْحَلِفِ بِاللَّهِ تَعَالَى.

وَدَلِيلُنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يا أيها النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، تَبْتَغِي مرضات أزواجك} فَأَنْكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا أَحَلَّهُ لَهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَقَعْ فَبَطَلَ بِهِ قَوْلُ مَنْ جَعَلَهُ طَلَاقًا وَظِهَارًا، وقَوْله تَعَالَى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ حَرَّمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ، بِيَمِينٍ حَلَفَ بِهَا، فَعُوتِبَ فِي التَّحْرِيمِ، وَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ، وَلَمْ يَكُنِ التَّحْرِيمُ يَمِينًا، لِأَنَّ الْيَمِينَ إِنَّمَا يَكُونُ خَبَرًا عَنْ مَاضٍ وَوَعْدًا بِمُسْتَقْبَلٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، وَحَرَّمَ جَارِيَتَهُ يَوْمًا بِيَمِينٍ، وكفر عن

<<  <  ج: ص:  >  >>