للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَتُطَلِّقُ امْرَأَتَكَ هَذِهِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كَانَ مُوعِدًا بِالطَّلَاقِ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ إِيقَاعَهُ مِنْ بَعْدُ.

وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَهَذِهِ زَوْجَتُكَ، فَقَالَ لَا، كَانَ هَذَا إِنْكَارًا، لَا يَقَعُ بِهِ الطَّلَاقُ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ فَيَصِيرَ كِنَايَةً فِيهِ، فَهَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْفَصْل، وَإِنْ خَبَطَ أَصْحَابُنَا فِيهِ خَبْطَ عَشْوَاءٍ.

فَصْلٌ:

: وَإِذَا قَالَ الْأَعْجَمِيُّ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ فِيهِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَاهُ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، سَوَاءٌ أَرَادَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْهُ كَالْعَرَبِيِّ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَعْرِفَ مَعْنَاهُ وَلَا يُرِيدَ مُوجَبَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ لَغْوًا.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ لَا يَعْرِفَ مَعْنَاهُ، وَلَكِنَّهُ يُرِيدُ مُوجَبَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، فَالَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، حَتَّى يَعْرِفَ مَعْنَى اللَّفْظِ، لِأَنَّهُ مُوجِبٌ لِلطَّلَاقِ.

وَعِنْدِي أَنَّ الطَّلَاقَ لَازِمٌ لَهُ، لِأَنَّهُ قَدْ أَرَادَ مُوجَبَ اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ، إِذَا كَانَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْإِرَادَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ إِرَادَةٌ، لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ فَقَدْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى تَعَرُّفِ مَعْنَاهُ، وَلِأَنَّنَا لَوْ أَسْقَطْنَا عَنْهُ الطَّلَاقَ، لَسَوَّيْنَا بَيْنَ أَنْ يُرِيدَ مُوجَبَهُ أَوْ لَا يُرِيدَ، وَهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ. وَهَكَذَا الْعَرَبِيُّ إِذَا طَلَّقَ بِصَرِيحِ الْأَعْجَمِيَّةِ، وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَعْنَاهَا، كَانَ عَلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ.

فَلَوْ أَنَّ زَوْجَةَ الْأَعْجَمِيِّ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَعْرِفُ مَعْنَى الطَّلَاقِ بِالْعَرَبِيَّةِ، كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلَ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَلِكَ زَوْجَةُ الْعَرَبِيِّ لَوِ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَعْرِفُ الطَّلَاقَ بِالْأَعْجَمِيَّةِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.

(مَسْأَلَةٌ:)

قال الشافعي: (وَكُلُّ مُكْرَهٍ وَمَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ فَلَا يَلْحَقُهُ الطَّلَاقُ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أَوْ مَرَضٍ فَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ وَلَا يَصِحُّ عَقْدُهُ.

وَأَمَّا الْمُكْرَهُ عَلَى الطَّلَاقِ إِذَا تَلَفَّظَ بِهِ كُرْهًا غَيْرَ مُخْتَارٍ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ وَلَا عِتْقُهُ وَلَمْ تَصِحَّ عُقُودُهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالطَّلَاقِ أو العتق أو كان مما لا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنْ كَانَ مِمَّا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالنِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَمْ يَصِحَّ مِنَ الْمُكْرَهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ صَحَّ مِنَ الْمُكْرَهِ كَمَا يَصِحُّ مِنَ الْمُخْتَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>