للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ بأنه الْمَعْصِيَةَ مُغَلَّظ عَلَيْهِ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ كُلُّ مَا كَانَ مُغَلَّظًا مِنَ الطَّلَاقِ، وَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ والردة والحدود، ولا يصح منه د مَا كَانَ تَخْفِيفًا كَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ، وَقَبُولِ الْهِبَاتِ وَالْوَصَايَا.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ: إنَّ الْعِلَّةَ فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ إِسْقَاطُ حُكْمِ سُكْرِهِ بِتَكْلِيفِهِ، وَأَنَّهُ كَالصَّاحِي فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ مِنْهُ جَمِيعُ مَا كَانَ تَغْلِيظًا وَتَخْفِيفًا، ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ: كُنْتُ أَذْهَبُ إِلَى الْوَجْهِ الثَّانِي حَتَّى وَجَدْتُ نَصًّا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ رَجْعَتُهُ وَإِسْلَامُهُ مِنَ الرِّدَّةِ فَرَجَعْتُ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ.

(فَصْلٌ:)

وَأَمَّا السَّكْرَانُ بِشُرْبِ دَوَاءٍ غَيْرِ مُطْرِبٍ كَشَارِبِ الْبَنْجِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ، فَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْصِدَ بِهِ التداوي ولا يقصد به السكر، فلا يقطع طَلَاقُهُ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَقْصِدَ بِهِ السُّكْرَ دُونَ التَّدَاوِي فَفِيهِ وَجْهَانِ.

أحدهما: أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ السُّكْرِ مِنَ الشَّرَابِ، فِي وُقُوعِ طَلَاقِهِ، وَمُؤَاخَذَتِهِ بِأَحْكَامِهِ عَلَى مَا ذكرنا، لمواخذته بِسُكْرِهِ وَمَعْصِيَتِهِ بِتَنَاوُلِهِ كَمَعْصِيَتِهِ بِتَنَاوُلِ الشَّرَابِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِأَحْكَامِهِ وَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا بِهِ، لأن الشراب مطرب يدعو النفوس إلى تناوله فغلط حكمه آخراً عَنْهُ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ، كَمَا غُلِّظَ بِالْحَدِّ، وَهَذَا غير مطرب، والنفوس مِنْهُ نَافِرَةٌ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُغَلَّظْ بِالْحَدِّ، فَلَمْ يغلظ بوقوع الطلاق والله أعلم بالصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>