للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ سُنَّةٌ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَذَانَ لِلصَّلَاةِ سُنَّةٌ فَالصَّلَوَاتُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ قِسْمٌ مِنَ السُّنَّةِ لَهَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ وَهِيَ الصَّلَوَاتُ المفروضات لما ذكرنا، وقسم من السنة يُنَادِيَ لَهَا الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَهُوَ مَا يُقَامُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ غَيْرِ الْمَفْرُوضِ، كَصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفَيْنِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ، اقْتِدَاءً بِالسُّنَّةِ فِيهَا وَأَنَّ فِي الْأَذَانِ لَهَا إِدْخَالَ شَكٍّ عَلَى سَامِعِيهِ فِي الدُّعَاءِ إِلَيْهَا وَإِلَى صَلَاةِ الْوَقْتِ، وَقِسْمٌ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ لَا أَذَانَ لَهَا وَلَا نِدَاءَ إِلَيْهَا وَهُوَ مَا سِوَى الْقِسْمَيْنِ مِنَ النُّذُورِ، وَالسُّنَنِ، وَالنَّوَافِلِ، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يَقُومُ إِلَى سُنَنِهِ وَإِلَى نَوَافِلِهِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا نِدَاءٍ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِهِمَا اتِّبَاعًا لِمُؤَذِّنِي رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلِرِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شَرَفًا وَإِنَّ شَرَفَ الْمَجْلِسِ مَا اسْتَقْبَلَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَإِنَّمَا تُجَالِسُونَ بِالْأَمَانَةِ " وَلِأَنَّ الْأَذَانَ دُعَاءٌ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مِنْ سُنَّتِهِ التَّوَجُّهُ إِلَيْهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ حَيْثُ اسْتَقْبَلَ بِهَا النَّاسَ وَاسْتَدْبَرَ بِهَا الْقِبْلَةَ أَنَّ الْخُطْبَةَ مَوْعِظَةٌ وتخويف للمحاضرين فَكَانَ مِنْ إِجْمَالِ عِشْرَتِهِمُ الْإِقْبَالُ عَلَيْهِمْ وَالْأَذَانُ إِعْلَامٌ لِمَنْ بَعُدَ وَدُعَاءٌ لِمَنْ غَابَ مِمَّنْ فِي سَائِرِ الْجِهَاتِ فَكَانَ مِنْ سُنَّتِهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ، فَأَمَّا الْمُؤَذِّنُ فِي الْمَنَارَةِ إِذَا أَرَادَ الطَّوَافَ فِي مَجَالِهَا فَقَدْ كَانَتِ الْمَنَارَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَهْدِ خُلَفَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ مُرَبَّعَةً لَا مَجَالَ لَهَا حَتَّى أَحْدَثَ الْمَنَارَةَ الْمُدَوَّرُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ، فَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ لَطِيفًا وَالْعَدَدُ يَسِيرًا فَلَيْسَ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَدُورَ فِي مَجَالِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ دَاعِيَةٍ، وَوَقَفَ إِلَى جِهَةَ الْقِبْلَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ أَذَانُهُ وَإِنْ كَانَ الْبَلَدُ وَاسِعًا، وَالْعَدَدُ كَثِيرًا كَالْبَصْرَةِ فَفِي جَوَازِ طَوَافِهِ فِي مَجَالِهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْإِبْلَاغِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْجِهَاتِ وَإِنَّ عدا الأمصار أقروا

<<  <  ج: ص:  >  >>