للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَهُ أَوْ عِتْقَهُ أَوْ يَمِينَهُ أَوْ نَذْرَهُ أَوْ إِقْرَارَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ جَمِيعُ عُقُودِهِ وَارْتَفَعَ حُكْمُ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْإِقْرَارِ وَالْعُقُودِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ يَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِ ذَلِكَ كُلِّهِ، أَوْ يَكُونُ شَرْطًا يُعَلَّقُ بِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهُ لِعَدَمِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ يَمْنَعُ مِنَ انْعِقَادِهِ فَلَا يَثْبُتُ لِذَلِكَ كُلِّهِ عَقْدٌ وَلَا حُكْمٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهُ شَرْطٌ انْعَقَدَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَحْكَامُ فَلَمْ يَلْزَمْ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْعَقِدَةً فَهَذَا حُكْمُ مَا عُقِدَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْإِقْرَارِ وَالْعُقُودِ، فِي أَنَّ جَمِيعَهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ.

وَقَالَ مَالِكٌ: تَقَعُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ حُكْمُ الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَرْتَفِعُ مَا سِوَى الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنُّذُورِ وَالْإِقْرَارِ.

وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَرْتَفِعُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ حُكْمُ جَمِيعِ الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ وَبِالطَّلَاقِ وَبِالْعِتْقِ، وَلَا يَرْتَفِعُ بِهِ وُقُوعُ النَّاجِزِ مِنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَالنُّذُورِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَرْتَفِعُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ حُكْمُ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا، وَحُكْمُ الطَّلَاقِ وَإِنْ كَانَ نَاجِزًا، وَلَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ الْعِتْقِ وَالنُّذُورِ وَالْإِقْرَارِ. فأما مالكاً فَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ بِاللَّهِ فَقَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ) فَاقْتَضَى دَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ حَنِثَ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَافِعٌ كَالْكَفَّارَةِ، فَلَمَّا اخْتُصَّتِ الْكَفَّارَةُ بِالْأَيْمَانِ بِاللَّهِ دُونَ غَيْرِهَا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُخْتَصًّا بِهَا دُونَ غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ لَهُ بِشَرْطٍ يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ، فَوَجَبَ أَنْ يُتَعَجَّلَ وُقُوعُهُ وَيَسْقُطَ شَرْطُهُ، كَمَا لَوْ

قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ صَعِدْتِ السماء طلق في الحال لاستحالة الشرط، قالوا: ولأن أجر اللَّهُ تَعَالَى الطَّلَاقَ وَالْعِتْقَ عَلَى لِسَانِهِ، مَشِيئَةً مِنْهُ لِإِيقَاعِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَرْتَفِعَ لِوُجُودِ شَرْطِهِ.

وَدَلِيلُنَا: رِوَايَةُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ ثُمَّ قَالَ فِي إِثْرِهَا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ) فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي الْأَيْمَانِ بِاللَّهِ وَفِي الطلاق والعتق،

<<  <  ج: ص:  >  >>