للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِدَّةُ فَلَا تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا.

وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ الْبَائِنُ فِي الْمَرَضِ الْمُخَوِّفِ إِذَا اتَّصَلَ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَرِثْهَا إِجْمَاعًا وَإِنْ مَاتَ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مِيرَاثِهَا مِنْهُ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ نص عليهما في الرجعة والعدد وَالْإِمْلَاءِ عَلَى مَسَائِلَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْقَدِيمِ فِيهَا نَصٌّ، أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا تَرِثُهُ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ: عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَرَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَرِثُ وَبِهِ قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، وَرُبَّمَا أُضِيفَ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَوْلُ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ وَكَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ.

وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ وَدَاوُدُ، فَإِذَا قِيلَ بِالْأَوَّلِ: أَنَّهَا تَرِثُ فَدَلِيلُهُ مَعْنَى الْإِجْمَاعِ الْمَنْقُولِ عَنِ الصَّحَابَةِ.

وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَبْتُوتَةِ فِي الْمَرَضِ تَرِثُ وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فِي مَرَضِهِ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ بِمُشَاوَرَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقِيلَ إِنَّهَا صُولِحَتْ عَلَى رُبُعِ ثَمَنِهَا لِأَنَّهُنَّ كُنَّ أَرْبَعًا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَقِيلَ ثَمَانِينَ أَلْفَ دِينَارٍ.

وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَكَانَ بِهِ الْفَالِجُ فَمَاتَ بَعْدَ سَنَةٍ فَوَرِثَهَا مِنْهُ عُثْمَانُ.

وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا حُوصِرَ طَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْ نِسَائِهِ فَوَرَّثَهَا مِنْهُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ: طَلَّقَهَا فِي شَرَفِ الْمَوْتِ، وَلَيْسَ يُعْرَفُ لِهَذِهِ الْقَضَايَا فِي الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ إِلَّا قَوْلَ ابْنِ الزُّبَيْرِ: لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أَرَ أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ، فَقِيلَ مَعْنَاهُ، لَمْ يَبْلُغِ اجْتِهَادِي أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَةٌ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أَهْتَدِ إِلَى هَذَا، فَكَانَ هَذَا مَنْ ذَكَرْنَا مَعَ عَدَمِ الْمُخَالِفِ فِيهِ إِجْمَاعًا حَاجًّا، وَلِأَنَّهَا بَانَتْ فِي حَالٍ يُعْتَبَرُ عَطَايَاهُ فِيهَا مِنَ الثُّلُثِ، فَوَجَبَ أَنْ تَرِثَهُ كَالْبَائِنِ بِالْمَوْتِ، وَلِأَنَّهُ مَتْهُومٌ فِي مَنْعِهَا مِنَ الْإِرْثِ فَأَشْبَهَ الْقَاتِلَ الْمَتْهُومَ فِي اخْتِلَافِ الْإِرْثِ فَكَانَتِ التُّهْمَةُ بِالْقَتْلِ مَانِعَةً مِنَ الْمِيرَاثِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ التُّهْمَةُ بِالطَّلَاقِ مَانِعَةً مِنْ إِسْقَاطِ الْمِيرَاثِ، وَلِأَنَّ بِالْمَرَضِ قَدْ تَعَلَّقَتْ حُقُوقُ الْوَرَثَةِ بَيْنَ مَالِهِ، بِدَلِيلٍ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْعَطَايَا فِيمَا زَادَ عَلَى ثُلُثِهِ كَالْوَصَايَا بَعْدَ الْمَوْتِ.

فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ إِسْقَاطِ حُقُوقِهِمْ مِنْ مِيرَاثِهِمْ لِتَعَلُّقِهَا بتركته.

<<  <  ج: ص:  >  >>