للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ ضَارِبِهِ، فَقَدْ خَالَفْتُمُ الْيَقِينَ فِي بَقَاءِ حَيَاتِهِ، قُلْنَا: أَمَّا الْقَوَدُ فَلَا يَجِبُ، لِأَنَّهَا شُبْهَةٌ وَالْقَوَدُ حَدٌّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وإما الدية ففيها قولان:

أحدهما: تجب اعتبار باليقين بَقَاءِ حَيَاتِهِ

وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ اعْتِبَارًا بِالْيَقِينِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، فَعَلَى هَذَا قَدْ تَقَابَلَ أَصْلَانِ لِأَحَدِهِمَا بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ.

وَالثَّانِي: بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فِي إِسْقَاطِهَا فَعُلِمَ حُكْمُ الْيَقِينِ فِي أَحَدِ الْأَصْلَيْنِ وَهُوَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ وَاحِدٌ لَمْ يُعَارِضْهُ غَيْرُهُ فَاعْتُبِرَ الْيَقِينُ فِيهِ. وَمِنْهَا أَنَّ الْعَبْدَ الْآبِقَ إِذَا أَعْتَقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يُجْزِهِ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ حَيَاتِهِ، قِيلَ: هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي عِتْقِهِ عَنِ الْكَفَّارَةِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَيِّتًا، وَعَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرِهِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا، فَغَلَبَ حُكْمُ الْحَيَاةِ فِي الزَّكَاةِ، وَحُكْمُ الْمَوْتِ فِي الْكَفَّارَةِ.

فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ نَقَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إِلَى الْأُخْرَى، وَخَرَّجَهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُ عِتْقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ كَمَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ؛ تَغْلِيبًا لِلْيَقِينِ فِي بَقَاءِ الْحَيَاةِ.

وَالثَّانِي: لَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ عِتْقُهُ فِي الْكَفَّارَةِ، تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَقِينِ فِي بَقَاءِ الْكَفَّارَةِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ تَقَابَلَ أَصْلَانِ فَرَجَحَ الْيَقِينُ فِي أَوْكَدِهِمَا وَلَيْسَ كَالطَّلَاقِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَجِبُ اعْتِبَارُ الْيَقِينِ فِيهِ.

(فَصْلٌ:)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا فَالشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَشُكَّ فِي أَصْلِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَشُكَّ فِي عَدَدِهِ، فَإِنْ كَانَ شَكَّ فِي أَصْلِهِ، هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؟ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَاقُ، اعْتِبَارًا بِالْيَقِينِ فِي بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَإِسْقَاطًا لِلشَّكِّ فِي رَفْعِهِ بِالطَّلَاقِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، لَكِنَّ الْوَرِعَ أَنْ يَلْتَزِمَ حُكْمَ الطَّلَاقِ حَتَّى لَا يَسْتَبِيحَ بُضْعًا بِالشَّكِّ، فَإِنْ كَانَ الشَّكُّ فِي طَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، هَلْ أَوْقَعَهَا أَمْ لَا؟ فَالْتِزَامُهُ لِحُكْمِهَا وَرَعًا أَنْ يَرْتَجِعَهَا، فَإِنْ كَانَ قَدْ طَلَّقَ حَلَّتْ لَهُ بِالرَّجْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ طَلَّقَ لَمْ تَضُرَّهُ الرَّجْعَةُ وَيَسْتَبْقِيهَا عَلَى طَلْقَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ هَلْ أَوْقَعَهَا أَمْ لَا؟ فَالْوَرَعُ أَنْ يَتْرُكَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، أَنْ يَعْتَزِلَهَا وَيَلْتَزِمَ نَفَقَتَهَا، فَيَغْلِبُ الشَّكُّ فِي اعْتِزَالِ الْوَطْءِ وَالْيَقِينُ فِي الْتِزَامِ النَّفَقَةِ، وَإِنْ أَرَادَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِتَسْتَبِيحَ نِكَاحَ غَيْرِهِ بِيَقِينٍ، فَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَهَا مِنْ قَبْلُ لَمْ يَقَعْ هَذَا الطَّلَاقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ طَلَّقَهَا مِنْ قَبْلُ وَقَعَ هَذَا الطَّلَاقُ.

وَحَلَّتْ لَهُ لِزَوْجٍ بَعْدَهُ، فَإِذَا اسْتَحَلَّتْ بِزَوْجٍ حَلَّتْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا ثُمَّ هِيَ مُسْتَبَاحَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>